أنت هنا

08/02
 

القديس ثيوذوسيوس قائد الجيش

8/2 غ (21/2 ش )

وُلد القديس ثيوذوروس من أبوين مسيحيين في مقاطعة تراقيا في جوار البحر الأسود، انخرط في الجندية الرومانية وأصبح قائد فرقة في مدينة هرقيلة في عهد الامبراطور لكينيوس حوالي العام 320م، سمع ثيوذوروس أن تنيناً هائجاً يخرج وينقض على الناس والبهائم فيفترسهم، فحملته شجاعته على مهاجمة ذلك التنين وإراحة الناس من شّره، فصام وصلّى وركب حصانه وراح يطلب ذلك التنين الضاري، فخرج ذلك الوحش كعادته، لمَّا رآه ثيوذوروس صرخ قائلاً: "باسم الرب يسوع المسيح أنا أهاجمك"، ثم انقضَّ عليه بسيفه وقتله، فسمع الامبراطور بذلك وطلب أن يرى ذلك القائد، ولمَّا كان ثيوذوروس يعرف أن بكينيوس هو من ألدّ اعداء الدين المسيحي، وقد عرف انه مسيحي وان المعجزة التي صنعها الله على يده إنما أتاها باسم الرب يسوع المسيح، وإن كثيرين من الوثنيين قد آمنوا بالمسيح بسبب هذه المعجزة، وتأكد بان لكينيوس سوف يقتله بسبب ذلك، لجأ إلى خدعة حربية، إذ دعا الملك لكينيوس إلى تراقيا حتى لا يبخل عن الشعب وفرق الجيش المرابطة هناك بزيارة ترتاح لها القلوب، قَبل الملك وجاء مع قادته، فاستقبله ثيوذوروس على رأس فرقته، دعاه الملك لاقامة حفلة عظيمة يفتتحها على شرفه في معبد الأوثان، وفيها يذبح الذبائح شكراً للآلهة على ما حققّه، ففهم ثيوذوروس ان معركته قد بدات، فإمّا أن يكفر بدينه او يجاهد في سبيله، فآثر الجهاد وبدأ هو بالهجوم إذ طلب من الامبراطور تماثيل للآلهة ليستعدّ للاحتفال بها. سُرّ لكينيوس لذلك، وأرسل له تماثيل من الذهب والفضّة فأخذها ثيوذوروس وحطمّها ووزّع قطعها على الفقراء، فلمَّا علم لكينيوس بذلك استشاط غضباً وطلب قائده إليه، وعندما مَثُل بين يديه سأبه، كيف تجرأ على تحطيم الآلهة، ثم أمر بتعذيبه فضرب بالسياط ولم يُترك عذاب إلاَّ وأنزله به، وأُحرقت جروحه بالنار، ونُزعت الدماء المتجمدة على جسمه بقطع مكسرَّة من الفخّار، وأُدخِلت السياخ المحماة في جسمه، ثم رُبط على صليب وتُرك بين حيّ وميّت وطُرح في السجن، وتُرك هناك ولكن ملاك الرب ظهر له وشجعّه وشفى له جروحاته كلّها، وعند الصباح أرسل الملك قائدي المئة ليُحضرا جثته ليرميها في البحر فلما وصل القائدان وشاهدا ثيوذوروس مُعافىّ، آمنا بالمسيح وآمن معهما ثمانون من جنودهما، وعندها تحرّكت فرقه ثيوذوروس تريد الانتقام لقائدها، فخاف لكينيوس من حدوث فتنة. أرسل حراَّسه وقطعوا رأس ثيوذوروس فطارت نفسه إلى السماء، وكان ذلك في سنة 319م.  وأجرى الله بعد استشهاده على قبره عجائب كثيرة باهرة.

تحتفل كنيستنا بتذكاره في اليوم الثامن من شهر شباط.

طروبارية على اللحن الرابع

لقد أصبحت جندياً جميلاً بارعاً في جندية الملك السماوي الحقيقية، يا ثيوذوروس الظافر في الجهاد.  فإنَّك تقلَّدت أسلحة الايمان. وبارزت صفوف الشياطين بحصافة عقلٍ فافنَيْتها وظهرتَ مجاهداً يحمل راية النصر.  فلذلك نُغبِّطك نحن عن إيمانٍ دائماً.

 

القديس زكريا النبي (القرن 6 ق.م) 

(8 شباط)

هو صاحب النبوءة الحادية عشة من نبوءات الأنبياء الصغار الإثني عشر. وهو معاصر لحجّاي النبي ويسميهما البعض "التوأمين بين الأنبياء". اسمه زكريا معناه "الرب ذكر" وهو يناسب المرحلة التي تفوّه فيها بنبوءته لأن الرب الإله ذكر، إذ ذاك ، شعبه بعد سبي إلى بابل طال أمده. وهو زكريا بن عِدّو. عِدّو هو أبوه او جده. وقد قيل إن أباه هو برخيا وقد قضى شابا فتسمى زكريا باسم جدّه، وفق العادة المتبعة، وجده أكثر شهرة من ابيه. زكريا من نسل لاوي. لذا جمع بين الكهنوت والنبوءة. نحميا في 16:12 يسميه رئيسا لاسرة عدو الكهنوتية.

أول ما تفوّه زكريا بنبوءته كان في الشهر الثامن من السنة الثانية لداريوس الملك، وقد امتدت بين العامين 520ق.م و 518ق.م، قبل تدشين الهيكل من جديد بثلاث سنوات، عام 515ق.م. نبوءته هي في خط نبوءة حجّاي الذي سبقه بقليل ونجح في إحداث يقظة جديدة في النفوس. هذه اليقظة أشار إليها حجّاي في أول نبوءته حيث قال:"ونبّه الرب روح زربابل بن شألتئيل، حاكم يهوذا، وروح يشوع بن يوصاداق، الكاهن العظيم، وأرواح كل بقية الشعب، فأتوا وباشروا العمل في هيكل ربّ القوات إلهم"(14:1). زكريا وطّد هذه الحركة بعدما أصاب عزيمة الشعب الخور إثر الصعوبات التي أخذ يواجهها. وهو يسبّه زربابل ويشوع بزيتونتين يقول الملاك عنهما بلسانه إنهما"المسيحان الواقفان لدى رب الارض كلها"(14:4).

ماذا تتضمن نبوءة زكريا؟

تتضمن نبوءة زكريا أربعة عشر فصلا مقسمة، بصورة أساسية، إلى قسمين. في القسم الاول دعوة إلى التوبة فثماني رؤى فمسائل عدة بينها صوم الشعب ورسم آفاق الخلاص.  هذه تمتد إلى نهاية الإصحاح الثامن. أما في القسم الثاني فجملة نبوءات عن هلاك أعداء الله ومجيء المسيح ويوم الرب وهداية اللأمم وبهاء أورشليم. نبوءة زكريا هي أغنى النبوءات قاطبة في رسم ملامح المسيح الآتي بعد نبوءة إشعياء، وكذا في رسم خطوط ملكوت السموات.

من أبرز ما ورد في النبوءة، في قسمها الاول، الحث على التوبة. "ارجعوا إليّ، تيقول الرب، فارجع إليكم... لا تكونوا كآبائكم الذين ناداهم الأنبياء الأولون... فلم يسمعوا ولم يصغوا إليّ"(3:1-4). الرب عاد إلى اورشليم بالمراحم فيُبنى بيته فيها(16:1). مدنه تفيض خيرا من جديد. يعزي صهيون ويختار اورشليم (17:1). من اجل ذلك يرسل ملائكة ليصرع قرون الأمم التي رفعت القرن على شعبه لتنثره(4:2). اورشليم سوف تكون ملاذا للكثيرين وستُسكن بغير اسوار لأن الرب الإله ارتضى ان يكون لها "سور نار من حولها ومجدا في وسطها"((9:2). الرب حافظ لشعبه وغيور عليه. لذا خاطبهم، مطمئنا، بقوله:"من يمسّكم يمسّ حدقة عيني "(12:2). فاهتفي إذا وافرحي يا ابنة صهيون لان الرب الإله ارتضى ان يسكن في وسطك وأمم كثيرة تنضمّ إليك وتكون له شعبا. الرب  أجاز آثام شعبه عنه وألبسه ثيابا فاخرة وجعل التاج الطاهر على رأسه(4:3-5). الرب يزيل إثم الارض في يوم واحد (10:3) ولا يحتضن بالقدرة أو بالقوة بل بورحه(6:4).

وسأل الشعب زكريا عن الصوم. أيستمرون في صومهم في الشهر الخامس والسابع كما كانوا يفعلون في بابل تكفيرا؟ ليس الصيام كافيا. "حين تأكلون وتشربون ألا تأكلون لكم وتشربون لكم؟"(6:7). كما كلّم اللأنبياء الأولون آباءكم بالأمس يكلمكم الرب إلهكم اليوم. هذه هي الأمور التي تصنعونها: كلّموا كل واحد قريبه بالحق وأجروا في أبوابكم الحق وحكم السلام، ولا تُضمروا شرّا في قلوبكم، الواحد لقريبه، ولا تحبّوا يمين الزور(16:8-17).

ويرسم زكريا في نهاية القسم الأول من نبوءته آفات الخلاص الآتي فيُبدي، على قولة رب القوّات، انه في تلك الأيام يتمسّك عشرة رجال من جميع ألسنة الأمم بذيل ثوب يهودي قائلين: اننا نسير معكم فقد سمعنا ان الله معكم (23:8).

أما في القسم الثاني فإن أولى سمات المسيح الآتي هي تواضعه ووداعته. "ابتهجي جدا يا ابنة صهيون. اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك. هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان"(9:9). متّى الإنجيلي يستعير هذا القول ليصف طبيعة دخول الرب يسوع إلى أورشليم(5:21). دخول المسيح إلى المدينة المقدسة، على هذه الصورة، إيذان بعهد جديد يسوده السلام."وأقطع المركبة من أفرايم والفرس من أورشليم  وتُقطع قوس الحرب"(10:9). هذه ما يخالف الصورة التي سبق لإرميا النبي ان رسمها حين قال إنه يدخل في أبواب هذه المدينة ملوك ورؤساء جالسون على كرسي داود راكبون في مركبات وعلى خيل (إر25:17). صفة المسيح الآتي هذه تحقق نبوءة يعقوب، أب الآباء، في سفر التكوين حين قال عن يهوذا انه لا يزول منه رئيس حتى يأتي من يسّيه "شيلون" أي الأمان، الذي يربط جحشه بالكرمة وابن أتانه بالجفنة (تك10:49-11). هذا والمسيح المتضع يعكس، في ذاته، الصورة التي يجدر بالشعب ان يكون عليها في آخر الأيام:"اطلبوا الرب يا جميع بائسي الأرض... اطلبوا البرّ. اطلبوا التواضع لعلكم تُسترون" (صفنيا3:2). في ذلك اليوم، على ما قال الرب الإله، "أنزع من وسطك المتباهين المتكبّرين فلا تعودين تتشامخين في جبل قدسي، وأُبقي في وسطك شعبا متواضعا فقيرا فتعتصم باسم الرب بقية إسرائيل"(صفنيا 11:3-13).

إلى ذلك يصف زكريا في الإصحاح الحادي عشر كيف بخس الشعب حق إلهه. فإنه رعاهم بالصالحات فلم يفهموا ولم يقبلوا. وإذ شاء ان يبيّن النبي مكانة إلههم عندهم سأل منهم أجرته كراع فاتضح لا ظلمهم له وحسب بل سخريتهم منه واحتقارهم له أيضا. قلت تلهم: إن حسن تفي عيونكم فهاتوا أجرتي والا فامتنعوا، فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضّة"(12:11). وجه السخرية في هذا الأجر انه ثمن عبد نطحه ثور (خر32:21). في انجيل متى 3:27-10 صدى لهذا تالثمن الذي سُلّم السيّد لقاءه.

ثم هناك صورة المسيح المطعون. يوحنا الإنجيلي أوردها عن يسوع لما طعنه واحد من العسكر وهو على الصليب (يوحنا 31:19-37). "وأيضا يقول كتاب آخر سينظرون إلى الذي طعنوه"(37). هذا الكتاب الآخر هو سسفر زكريا النبي. في الإصحاح 12 الآية 10 ورد ان الرب الإله سوف يُفعم بيت تداود وسكان أورشليم من روح الرحمة وروح الصلاة. وسينظرون إلى الذي طعنوه حتى الموت وينوحون عليه كما يُناح على وحيد، ويبكون عليه بكاء مرا كما على البكر. هنا يرتبط طعن مسيح الرب بخلاص إسرائيل(1:12-9). فكأننا في سفر زكريا بإزاء صورة لمسيح الرب مشابهة لصورة عبد يهوه الذي طُعن بسبب معاصينا وسُحِق بسبب آثامنا... وهو حمل خطايا الكثيرين وشفع في معاصيهم(إش 35). ويُسأل مسيح الرب في شخص زكريا النبي:"ما هذه الجروح في صدرك؟ فيقول:هي التي جُرّحتها في بيت محبّيّ"(زك6:13).

هكذا بدت صورة المسيح الراعي بعدماجرى طعنه: يصير موضع شك وتتبدّد خراف الرعية. لذا أعلن زكريا قولة رب القوات:"أضرب الراعي فتتبدّد الخراف" (7:13). الرب يسوع في إنجيل متى اتخذ الآية فأشار بها إلى نفسه:" كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة لأنه مكتوب أنّي أضرب الراعي فتتبدّد خراف الرعية" (متى 31:26).

غير ان عين النبي تبقى مثبتة في خاتمة السفر (الإصحاح 14) على تذلك اليوم الذي سوف يكون فيه الرب ملكا على الأرض كلها. سلطانه من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض(10:9). يومذاك لا يكون يوم صاف ويوم غائم بل يوم واحد معلوم عند الرب. ولا يكون نهار ولا ليل بل يكون وقت المساء نورا وتخرج مياه حيّة من أورشليم صيفا وشتاء وتُسكَن أورشليم بالأمان (6:14-11).

هذا ويبدو ان عمر زكريا، في التقليد، كان مديدا، وانه دُفن بجانب حجّاي النبي.

بقي ان نشير إلى ان زكريا النبي هو غير زكريا بن يوياداع الذي قتله يوآش الملك (836-797 ق.م) حين أوعز إلى الشعب فرجموه في دار بيت الرب بين المذبح والهيكل بعدما توعّدهم بغضب الله عليهم لتمردهم وشرّ قلوبهم (انظر 2 أي 20:24-22).