أنت هنا
القديس برثانيوس أسقف لمبساكة(القرن 4)
(7 شباط)
عاش هذا القديس في زمن الامبراطور قسطنطين الكبير (+337م)، وهو ابن شماس في مليتوبوليس البنطية اسمه خريستوذولوس. احترف صيد السمك ولم يتعلم سوى ما كان يلتقطه في الكنيسة من قراءات الكتاب المقدس، لكنه اهتم بالسلوك بحسب الكلمة التي اعتاد سماعها. لذا برز كرجل فاضل أولا. يثحكى عنه، في هذا الإطار، انه كان يبيع ما يصطاده من السمك ويوزعه على الفقراء دون ان يبقي لنفسه شيئا. محبته كانت لافتة وتناقلت أخبارها الألسن حتى بلغت أذني فيليتس، أسقف مليتوبوليس، الذي استدعاه وسامه كاهنا رغم تمنّعه. المهمة التي أوكل بها الأسقف إلى برثانيوس كانت استفقاد المؤمنين في الآبرشية. وقد أثمرت تجهود الكاهن الشاب حسنا حتى جرت نعمة الروح القدس على يديه آيات وأشفية سخيّة. مثل ذلك انه التقى رجلا، مرة، وقد انقلعت عينه من نطحة ثور فأعادها القديس، بنعمة الله، إلى موضعها سالمة. مرة أخرى شفى امرأة من السرطان برسم إشارة الصليب. ومرمة انقضّعله كلب مسعور فردّه بنفخة فمه.
غزاء علامات النعمة البادية على القديس، تجعله متروبوليت كيزيكوس أسقفا على مدينة لمبساكة الغارقة في الوثنية. فلم تيمض وقت تطويل على تسلمه مهامه الجديدة حتى تمكن من هداية المدينة برمتها. كيف لا وكل عناصر النجاح كانت موفورة لديه! صام وصلى ولقّن الكلمة وسلك وفق ما تمليه بثبات وثقة وإصرار. وإذ رغب في دكّ الهياكل الوثنية في المدينة، استحصل على إذن بذلك من قسطنطين الملك بالذات، ومنه أيضا حظي بأموال لبناء كنيسة. فلما انتهى البناء جيء بحجر كبير للمذبح. وإن إبليس الحسود الذي ألفى نفسه مغلوبا ولم يعد يستطيع شيئا ضد عبيد الله، حرك الثيران التي كانت تنقل الحجر فجفلت واندفعت خارج خط سيرها فاضطرب توازن السائس وسقط فداسته عجلات العربة وسحقته. للحال رفع قديس الله الصلاة إلى الرب الإله فعاد الضحية حيا يُرزق.
أضحى برثانيوس لمدينة لمبساكة أبا يعتني بها بعناية الله. كان قادرا، بنعمة ربّه، على شفاء كل الأمراض، تحتى لم تعد للأطباء في المدينة حاجة. وكما يتبدّد الظلام من تدفّق النور، كذلك كانت الأبالسة تفرّ من أمام رجل الله. مرة قيل إنه أخرج شيطانا من أحد المساكين فتوسّل إليه الشيطان ان يرسله إلى موضع آخر، أو أقلّه إلى الخنازير. فأجابه القديس لا أسمح لك باسم يسوع الا ان تقيم في رجل واحد. فقال: ومن يكون؟فأجابه: أنا، تعال واسكن فيّ! للحال خاب الشيطان وهرب كمي النار! كيف يقيم في هيكل الله؟!
مرة، جاء برثانيوس إلى هرقلية، عاصمة براقيا، فوجد أسقفها هيباسيانوس مريضا مرضا عضالا. وإذ كشف الروح لقديس الله علّة الرجل انها من بخله، قال له: قم ولا تخف! ليس مرضك جسديا بل روحيا. ردّ للفقراء ما حبسته عنهم تشفَ. في تلك اللحظة فتح الروح أذن الأسقف الداخلية فعاد إلى نفسه وعرف علّة قلبه. فلمّا فتح خزائنه للفقراء عادت إليه صحتّه بعد ثلاثة أيام.
في هرقلية أيضا، أبرأ قديس الله العديد من المرضى وبارك الحقول وأخبر بمقدار المحاصيل. ولما شاء ان يغادر المدينة أطلع الأسقف على موته العتيد وسمّى من سيكون خلفه. فلما عاد إلى لمبساكة، رقد بالرب كما أنبأ.
القديس البار لوقا الجديد، ناسك جبل ستيريون (القرن 10م)
(7 شباط)
ولد سنة 890م في قرية كستوريون في هلاّذة اليونانية. ذووه مهاجرون من جزيرة اجينة رحّلتهم هجمات العرب. وهو الولد الثالث لعائلة قوامها سبعة أولاد. مال، منذ حداثته، إلى حياة العزلة والتقشّف. لم يرشده إلى ذلك أحد غير الله. كان يكتفي من الطعام، في العادة، بخبز الشعير والخضار ولا يشرب غير الماء ويحفظ الصوم الكامل الأربعاء والجمعة. أُوكلت إليه ملاحظة القطعان وفلاحة الأرض. كانت العائلة في يُسر. اعتاد التوزيع على الفقراء. حتى ثيابه كان يعود إلى المنزل، أحيانا، من دونها. لما مات أبوه، هجر الزراعة وانصرف إلى حياة الصلاة. ويبدو انه أصاب، في سعيه، تقدّما كبيرا. كان يرتفع عن الأرض بالجسد كلما وقف للصلاة. ترك منزله الوالدي إلى تساليا راغبا في اقتبال الحياة الرهبانية. في الطريق وقع بين العسكر بأساؤوا معاملته لأنهم ظنوا انه عبد آبق. فلما سألوه من يكون معلمه أجاب:"المسيح!" لكنه تمكن من العودة إلى بيت أهله. عانى، في المنزل، من الشتم والسياط زمانا. أخيرا تمكن من إقناع والدته بتركه يذهب برفقة راهبين عبرا القرية في طريقهما من رومية إلى أورشليم. هذان سلّماه إلى رئيس دير في آثينا اقتبل فيه ثوب البداية. كان يومها في الرابعة عشرة من عمره. في تلك الأثناء لم تطق أمّه غيابه عنها فصارت تنوح وتبكي لدى الله حتى أخذ رئيس الدير يعاين الأم، كل ليلة، تطالب بولدها. أخيرا قرّر إعادته إليها. لكن الصبي نجح، بعد أربعة أشهر من عودته، في إقناع والدته، من جديد، بتركه يخلد إلى الهدوء والصلاة في قمّة يوانيتزا غير البعيدة عن القرية. هناك أقام في قلاية فقيرة بقرب كنيسة على اسم القديسَين الصانعي العجائب والعادمي الفضة قزما ودميانوس.
اختار لوقا الحياة في القلاّية ليكون بمنأى عن عيون الناس. سعى فيها إلى مقاومة النوم بضراوة. كما حفر، داخلها، حفرة كانت تله بمثابة قبر ليحفط ذكر الموت ماثلا لعينيه. اعتاد ان يقيم الليل بطوله في الصلاة والسجود. اهتم بزرع بعض الخضار لديه وكان يوزع ما يجنيه على الزوار والجيران. أما هو فكان يزداد على نفسه قسوة وبالناس والبهائم، وحتى الحيّات، رأفة.
مرّ به راهبان وقوران، في طرييقهما إلى رومية، فأكبرا سعيه وهو بعد فتى لم يتجاوز الثامنة عشرة فألبساه الإسكيم الرهباني الكبير. على الأثر كثّف خلوته وأصوامه وضاعف صلواته ودموعه فمنّ عليه ربه بموهبة صنع العجائب والنبوءة. ذاع صيته في الجوار فشقّ العديدون طريقهم إليه طلبا لبركته والاعتراف بخطاياهم لديه. كان يساعد المعترفين المترددين بكشف خطاياهم عنهم. كما كان يسبغ عليهم الصفح باسم الله بعد ان يعيّن لهم التدابير التكفيرية اللازمة . جرّبه الشيطان مرة وهو في هذا الوضع. بعث إليه بثلاث نسوة كما ليعترفن لديه. حرّكن فيه أفكارا دنسة. بقي في صراع مع نفسه ثلاثة أيام وثلاث ليال جاهدا في الصلاة والبكاء. أخيرا حضره ملاك الرب ووهبه نعمة اللاهوى فصار كملاك أرضي لا تحرّكه أفكار الجسد.
بعد سبع سنوات على قمة يوانيتزا غادر القديس ومن اجتمعوا إليه إلى جزيرة قريبة فإلى كورنثوس إثر هجمات البلغر. في كورنثوس رغب في تعّلم القراءة والكتابة رغم تقدّمه في السن. لم يجد حرجا في مجالسة الصغار. لكنه تخلى عن الفكرة بعدما تعرّض للسخرية بإصرار. عرض عليه أحد العموديين ان يقيم بالقرب منه فلوافق. بقي في طاعته عشر سنوات عاد بعدها إلى يوانيتزا. سألوه مرّة لماذا لا يذهب في الأعياد إلى تالأديرة ليشترك في القدسات. أجاب:" الغرض من الأعياد والتسابيح بثّ مخافة الله. فأي منفعة منها لمن اقتنى خوف الله بالهدوء (الهيزيخيا) والصمت؟"
عجائبه ونبوءاته اجتذبت إليه الكثيرين. فلكي يحفظ الهدوء ترك يوانيتزا إلى أكثر من مكان. أخيرا استقر في ستيريون إلى ان رقد بالرب في 7 شباط 953م. كان زيت عطر يخرج من ضريحه ويُجمع في قنديل. هذا صار مصدرا لأشفية كثيرة. بُني في المكان دير وكنيستان ما زال إلى اليوم محجّة عامرة.



