شارك أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول المطران بول ريتشارد غالاغير في الدورة السادسة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المنعقدة حاليا، وذلك برسالة فيديو بدأها ناقلا تحيات البابا فرنسيس القلبية للمشاركين جميعا، ثم توقف عند تأثير وباء كوفيد 19 منذ أكثر من سنة على جوانب الحياة كافة والتضررات والشكوك على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والصحية. وأضاف أن الوباء يشكل تحديا أيضا للالتزام من أجل حماية وتعزيز الحقوق الإنسانية العالمية، إلى جانب تأكيد حالة الطوارئ الصحية على أهمية هذه الحقوق، وشدد بالتالي على حاجة الجماعة الدولية إلى إعادة اكتشاف أسس الحقوق الإنسانية من أجل تطبيقها بشكل صحيح. وتابع مذكرا بمقدمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تتحدث عن الاعتراف بكرامة جميع أعضاء العائلة البشرية والحقوق المتساوية كأساس الحرية والعدالة والسلام. كما وذكَّر باعتراف ميثاق الأمم المتحدة بالحقوق الإنسانية وبكرامة وقيمة كل شخص بشري والمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة وبين الأمم كبيرة كانت أم صغيرة. وأكد المطران غالاغير بالتالي أن الوثيقتين تعترفان بحقيقة موضوعية لا تخضع لتأثير الزمان أو المكان أو الإطار، وهي تمتُّع كل شخص بالكرامة البشرية. إلا أن النطق بهذا الالتزام، ومع الأسف، هو أسهل من تطبيقه عمليا، واصل أمين السر مذكرا بأن علينا الاعتراف بأن الأهداف المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا تزال بعيدة عن الاعتراف بها واحترامها حمايتها وتعزيزها في جميع الأوضاع.
هذا وشدد المطران بول ريتشارد غالاغير على أن تعزيز الحقوق الإنسانية الأساسية يقوم على تأكيد الأسس التي تقوم عليها هذه الحقوق، وحذر من التعامل مع الحقوق بشكل منفصل عن القيم الشاملة السابقة لها. وتابع أن انطلاق الحقوق من القيم يعني أنه يحق لمؤسسات حقوق الإنسان أن تفرض واجبات وعقوبات لا تفرضها الدول التي تناقض في بعض الحالات القيم التي يُفترض أن تعززها، بل وتؤسس في بعض الأحيان ما يطلَق عليها اسم حقوق جديدة تحيد عن خدمة الكرامة البشرية. وأراد أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول في هذا السياق إعطاء مَثل الحياة، فقال إنها وقبل أن تكون حقا هي خير يجب رعايته وحمايته. وأشار إلى أن حق الحياة قد اتسع من خلال مواجهة التعذيب والاختفاء وعقوبة الإعدام وأيضا بفضل حماية الأشخاص الأكبر سنا والمهاجرين والأطفال والأمهات. وأضاف أن هذه التطورات تشكل توسيعا منطقيا لحقوق الإنسان وذلك لمواصلتها الاحتفاظ بالأساس المتمثل في كون الحياة خيرا، أما حين تبتعد الحقوق عن هذا الأساس الرئيسي فهناك خطر تهديدها للقيم التي عليها أن تعززها. وأشار على سبيل المثال إلى اعتبار البعض المساعدة على الانتحار أو إنهاء حياة الأطفال الذين لم يولدوا بعد حقوقا.
ثم عاد المطران غالاغير إلى الحديث عن وباء كوفيد 19 مشيرا إلى تأثير بعض الإجراءات التي فرضتها السلطات لمواجهة الوباء على الممارسة الحرة للحقوق الإنسانية، وتوقف عند حالات ضعف بعض الفئات من الأشخاص مثل المسنين، المهاجرين، اللاجئين، السكان الأصليين، النازحين الداخليين والأطفال. وتابع أن على التقييدات على ممارسة الحقوق الإنسانية أن تكون متماشية مع الضرورة وأن تطبَّق بشكل خالٍ من التمييز وأن يتم اللجوء إليها فقط في حال عدم توافر بدائل. وأراد المطران غالاغير التأكيد باسم الكرسي الرسولي على الحاجة العاجلة إلى حماية حق الفكر والضمير والحق الديني، وتابع مشيرا إلى أن الإيمان الديني والتعبير عنه يرتبطان بكرامة الشخص البشري وضميره. وأضاف أنه ومن أجل احترام قيمة هذا الحق فإن الحرية الدينية الحقيقية تتطلب تعاون السلطات السياسية مع القادة الدينيين والمنظمات القائمة على الإيمان ومنظمات المجتمع المدني الملتزمة من أجل تعزيز حرية الدين والضمير. شدد من جهة أخرى على أن الرد العالمي على الوباء الحالي يكشف أن هذا المفهوم للحرية الدينية قد تضرر، ويريد الكرسي الرسولي بالتالي التشديد على أن الحرية الدينية والمعترف بها في وثائق وأدوات الحقوق الإنسانية تعني أيضا حماية الشهادة لهذه الحرية والتعبير عنها سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي، العام أو الخاص، وذلك في أشكال العمل الرعوي والتطبيق والتعليم.
ثم ختم أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان للعلاقات مع الدول المطران بول ريتشارد غلاغير مشاركته من خلال رسالة فيديو في الدورة السادسة والأربعين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مؤكدا أن مواجهةً فعالة لتبعات الأزمات المختلفة تستدعي الاستعداد لتجاوز ما يفرِّق بيننا. وذكَّر في هذا السياق بتشديد البابا فرنسيس في الرسالة العامة "Fratelli tutti" على أن بإمكاننا في هذا الزمن من خلال الاعتراف بكرامة كل إنسان، تجديد رغبة عالمية في الأخوّة بين الجميع. وتابع المطران غالاغير أن الأزمة الحالية تشكل فرصة فريدة لبلوغ تعددية الأطراف كتعبير عن حس عالمي بالمسؤولية والتضامن يقوم على العدالة وبلوغ السلام والوحدة داخل العائلة البشرية، وهذا هو تصميم الله للعالم. وختم مؤكدا مواصلة اشتراك وتعاون الكرسي الرسولي في بلوغ هذا الهدف.