شاء أساقفة ساحل العاج أن يُعيدوا إطلاق النداء الذي وجهه رئيس البلاد الحسن واتارا إلى خصمة Henri Konan Bédié زعيم "الحزب الديمقراطي في ساحل العاج" من أجل تكثيف الحوار بين الطرفين والذي يرتكز إلى أسس واضحة، مع العلم أن هذا الحوار انطلق في الحادي عشر من تشرين الثاني نوفمبر الماضي، بهدف حل الأزمة التي تفاقمت بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الحادي والثلاثين من تشرين الأول أكتوبر. وقد شهدت العملية الانتخابية مشاركة عشرة بالمائة ممن يحق لهم الاقتراع، فيما قرر السواد الأعظم من المواطنين العصيان المدني الذي أعلنته أحزاب المعارضة. وفي مطلع الشهر الماضي أعلنت هذه الأحزاب، التي تحالفت فيما بينها، عن تشكيل حكومة انتقالية يتزعمها Henri Konan Bédié.
إزاء هذه الأزمة السياسية عبر مجلس أساقفة ساحل العاج عن أمنيته بأن يأخذ الحوارُ الذي انطلق بين الطرفين في عين الاعتبار عملية الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين في البلد الأفريقي، وتسهيل عودة جميع الأشخاص المنفيين، لاسيما الرئيس السابق Laurent Gbagbo، كي يشاركوا في عملية المصالحة الوطنية. وقد عبر الأساقفة عن موقفهم هذا في رسالة بعنوان "تعزيز السلام من خلال احترام القانون والحريات". وشدد أصحاب السيادة على ضرورة أن يتناول الحوارُ السياسي أيضا مسألة الدفاع عن الحقوق والحريات الفردية لجميع المواطنين، فضلا عن ضمان حياد القضاء وتعزيز ثقافة التلاقي. وأكدوا أنهم لن يكلّوا من تكرار هذا المبدأ: لا سلام بدون عدالة ولا عدالة بدون مغفرة.
ولم تخلُ رسالة أساقفة ساحل العاج من إدانة أعمال العنف التي وقعت في أعقاب الانتخابات الرئاسية وكتبوا أنه من الخطير جدا أن يعتقد البعض أن المشاكل السياسية الراهنة لا يمكن أن تُحل بواسطة لغة العقل، أي من خلال مفاوضات تستند إلى الحقيقة والشرعية والعدالة والمساواة، ويعتقدون أن حلها ممكن عن طريق القوة وزرع الرعب والقتل. وقال الأساقفة إنهم يطلبون شفاعة القديسة مريم العذراء، ملكة السلام كي تحمي ساحل العاج، وتعمل على ارتداد القلوب ليسودها الحب والغفران والعدالة والمصالحة.
وقد جاءت رسالة الأساقفة المحليين في سياق النداء الذي أطلقه البابا فرنسيس من أجل السلام في ساحل العاج في الخامس عشر من تشرين الثاني نوفمبر الماضي بعد تلاوته صلاة التبشير الملائكي في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان إذ قال إن فكره يتوجه إلى ساحل العاج، التي تحتفل باليوم الوطني للسلام في سياق توترات اجتماعية وسياسية أدت للأسف إلى سقوط العديد من الضحايا. وأضاف: أتّحد معكم في الصلاة لتنال من الرب عطيّة الوفاق الوطني، وأحث جميع أبناء وبنات ذلك البلد العزيز على التعاون بمسؤولية من أجل المصالحة والتعايش السلمي. كما أشجع بشكل خاص مختلف الفاعلين السياسيين على استعادة مناخ من الثقة المتبادلة والحوار، في البحث عن حلول عادلة تحمي وتعزز الخير العام.
وقد ساد التوتر في ساحل العاج بعد أن أعلنت المحكمة الدستورية عن فوز واتارا بعد حصوله على نسبة أربعة وتسعين بالمائة من الأصوات، فيما أكدت أحزاب المعارضة أن بقاءه في هذا المنصب لولاية ثالثة يتعارض مع الدستور، وقد أسفرت التظاهرات والمصادمات وأعمال الشغب عن سقوط ما لا يقل عن ستة عشر قتيلا، في وقت لجأ فيه حوالي ثمانية آلاف مواطن إلى البلدان المجاورة. وقد تفجرت الأزمة السياسية في البلاد في السادس من آب أغسطس الماضي عندما أعلن الرئيس المنصرف الحسن واتارا عن رغبته في الترشح لولاية جديدة، ما يشكل انتهاكا صارخا للدستور الجديد الذي تم تبنيه في أعقاب استفتاء شعبي عام 2016.
وشجعت جمعيات المجتمع المدني المواطنين على التظاهر احتجاجا على القرار بموجب المادة الخامسة والعشرين من الدستور. لكن سرعان ما وُوجهت الاحتجاجات بالقمع وبحملة من الاعتقالات شملت العديد من الناشطين المدنيين وأعضاء في أحزاب المعارضة. وأثار هذا الوضع المخاوف من تكرار ما حصل في أعقاب انتخابات العام 2010 عندما شهدت البلاد حربا أهلية انتهت باعتقال الرئيس المنصرف Laurent Gbagbo عام 2011، وتثبيت فوز الحسن واتارا في الانتخابات.