أنت هنا

فاتيكان نيوز

البابا فرنسيس: لقد حان الوقت لننظر إلى الأمام بشجاعة ورجاء (ANSA)

تاريخ النشر: 
الجمعة, أكتوبر 16, 2020 - 11:31

القائمة:

 

البابا فرنسيس: لقد حان الوقت لننظر إلى الأمام بشجاعة ورجاء

 

 

فاتيكان نيوز

 

"التربية هي على الدوام فعل رجاء يدعو إلى المشاركة المشتركة وإلى تحويل منطق اللامبالاة العقيم والمُشلّ إلى منطق آخر مختلف، قادر على قبول انتمائنا المشترك" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في رسالة الفيديو التي وجّهها إلى المشاركين
 

بمناسبة اللقاء الذي ينظّمه مجمع التربية الكاثوليكية في جامعة اللاتيران الحبرية في روما حول الميثاق التربوي العالمي وجّه قداسة البابا فرنسيس رسالة فيديو إلى المشاركين قال فيها عندما دعوتكم لبدء مسيرة التحضير والمشاركة والتخطيط لميثاق تربوي عالمي، لم نكن نتخيل أبدًا الوضع الذي كان سيتطور فيه؛ لقد عمل فيروس الكورونا على تسريع وتضخيم العديد من حالات الطوارئ التي واجهناها وكشف عن العديد من الحالات الأخرى. وكذلك تبعت الصعوبات الصحية مشاكل اقتصادية واجتماعية. وعانت أنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم من الوباء على المستويين المدرسي والأكاديمي.

تابع الحبر الأعظم يقول جرت محاولات في كل مكان من أجل تفعيل الاستجابة السريعة من خلال منصات تكنولوجيّة تعليمية، أظهرت ليس فقط تباينًا ملحوظًا في الفرص التعليمية والتكنولوجية، وإنما أيضًا، بسبب الحجر الصحّي والعديد من أوجه القصور الأخرى الموجودة، تأخّر العديد من الأطفال والمراهقين في العملية الطبيعية للتطور التربوي. ووفقا لبعض البيانات الحديثة من الوكالات الدولية، هناك حديث عن "كارثة تربويّة": عبارة قوية بعض الشيء، ولكن هناك حديث عن "كارثة تربوية"، إزاء حوالي عشرة ملايين طفل قد يضطرون إلى ترك المدرسة بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن فيروس الكورونا، مما يزيد الفجوة التعليمية المثيرة للقلق (مع استبعاد أكثر من مائتين وخمسين مليون طفل في سن الدراسة من أي نشاط تربوي).

أضاف البابا فرنسيس يقول إزاء هذا الواقع المأساوي، نعلم أن الإجراءات الصحية الضرورية لن تكون كافية إذا لم يرافقها نموذج ثقافي جديد. إنَّ هذا الوضع قد أدى إلى زيادة الوعي بضرورة إجراء تغيير في نموذج التنمية. ولكي يتمَّ احترام وحماية كرامة الشخص البشري، يجب أن يبدأ من الفرص التي يوفرها الترابط الكوكبي للجماعة والشعوب، من خلال العناية ببيتنا المشترك وحماية السلام. إن الأزمة التي نمر بها هي أزمة شاملة لا يمكن حصرها أو حدها في سياق أو قطاع واحد: إنها أزمة شاملة. لقد سمح فيروس الكورونا بالاعتراف بطريقة عالمية بأن ما هو في أزمة هو أسلوبنا في فهم الواقع وعلاقتنا ببعضنا البعض. وفي هذا السياق، نرى أن الوصفات المبسطة أو التفاؤل الباطل لا يكفيان. نحن نعرف القوة المحوّلة للتعليم: التعليم هو مراهنة وإعطاء الحاضر رجاء يكسر الحتمية والقدرية التي تريد من خلالها أنانية القوي، وامتثاليّة الضعيف وأيديولوجية المثالي أن تفرض نفسها عدة مرات على أنها الطريقة الوحيدة الممكنة.

تابع الأب الأقدس يقول التربية هي على الدوام فعل رجاء يدعو إلى المشاركة المشتركة وإلى تحويل منطق اللامبالاة العقيم والمُشلّ إلى منطق آخر مختلف، قادر على قبول انتمائنا المشترك. إذا كانت الفسحات التربوية اليوم تتوافق مع منطق الاستبدال والتكرار وغير قادرة على خلق وإظهار آفاق جديدة، تؤسس فيها الضيافة والتضامن بين الأجيال وقيمة التعالي ثقافة جديدة، أفلن يفوتنا الموعد مع هذه اللحظة التاريخية؟

أضاف الحبر الأعظم يقول ندرك أيضًا أن مسيرة الحياة تحتاج إلى رجاء يقوم على التضامن، وأن كل تغيير يتطلب مسارًا تربويًّا، من أجل بناء نماذج جديدة قادرة على الاستجابة لتحديات وحالات الطوارئ في العالم المعاصر، لفهم احتياجات كل جيل وإيجاد حلول لها ولجعل بشريّة اليوم والغد تزدهر. نحن نعتقد أن التربية هو أحد أكثر الطرق فعالية لإضفاء الطابع الإنساني على العالم والتاريخ. إن التربية قبل كل شيء هي مسألة حب ومسؤولية تنتقل عبر الزمن من جيل إلى جيل. وبالتالي تقدّم التربية نفسها كالترياق الطبيعي للثقافة الفردية، التي تتدهور أحيانًا إلى عبادة حقيقية للأنا وأولوية اللامبالاة. لا يمكن لمستقبلنا أن يكون الانقسام أو الافتقار لقدرات الفكر والخيال والإصغاء والحوار والتفاهم المتبادل. لا يمكن لهذا أن يكون مستقبلنا.

تابع البابا فرنسيس يقول هناك حاجة اليوم إلى موسم متجدد من الالتزام التربوي يشمل جميع مكونات المجتمع. لنستمع إلى صرخة الأجيال الجديدة التي تسلط الضوء على الحاجة والفرصة المحفزة لمسيرة تربوية متجددة لا تحوِّل نظرها إلى الجانب الآخر، وتعزز الظلم الاجتماعي الجسيم وانتهاك الحقوق والفقر المدقع والتهميش البشري. إنه مسار متكامل، يواجه خلاله المرء مواقف الوحدة وعدم الثقة في المستقبل التي تولد بين الشباب الاكتئاب والإدمان والعدائيّة والكراهية اللفظية وظواهر التنمُّر. مسيرة مشتركة، لا يبقى فيها المرء غير مبالٍ في مواجهة وآفة العنف والاعتداء على القاصرين، وظاهرة زواج الأطفال والجنود الأطفال، ومأساة بيع القاصرين واستعبادهم. ويضاف إلى ذلك ألم "معاناة" كوكبنا، الناجمة عن استغلال لا رأس له ولا قلب، والذي ولّد أزمة بيئية ومناخية خطيرة.

أضاف الأب الأقدس يقول هناك لحظات في التاريخ، يكون فيها من الضروري اتخاذ قرارات أساسية، لا تعطي فقط بصمة لأسلوب حياتنا، ولكن وبشكل خاص موقفًا محددًا أمام السيناريوهات المستقبلية المحتملة. في الوضع الحالي للأزمة الصحية - المليئة باليأس والحيرة - نعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لتوقيع ميثاق تربوي عالمي للأجيال الشابة ومعها، يشرك العائلات والجماعات والمدارس والجامعات والمؤسسات، والأديان، والحكام، والبشرية بأسرها، في تنشئة أشخاص ناضجين.

تابع الحبر الأعظم يقول يُطلب منا اليوم الصدق الضروري لكي نذهب أبعد من الرؤى الخارجية للعمليات التربوية، لكي نتغلّب على التبسيط المفرط في المنفعة، والنتيجة (الموحدة)، والوظيفة، والبيروقراطية، جميع هذه الأمور التي تخلط بين التربية والتعليم وينتهي بها الأمر بتفتيت ثقافاتنا؛ لا بل يُطلب منا اتباع ثقافة متكاملة وتشاركية ومتعددة الأوجه. نحن بحاجة إلى الشجاعة لكي نولِّد عمليات تفترض بوعي التجزئة القائمة والتناقضات التي نحملها معنا؛ الشجاعة لإعادة بناء نسيج العلاقات لصالح بشريّة قادرة على التحدث بلغة الأخوة. إنَّ قيمة ممارساتنا التربويّة لن تُقاس ببساطة بمجرد تخطّي الاختبارات الموحّدة، وإنما من خلال القدرة على التأثير في قلب مجتمع وإعطاء حياة لثقافة جديدة. إنَّ عالم مختلف هو ممكن ويتطلب منا أن نتعلم كيف نبنيه، وهذا الأمر يشمل إنسانيّتنا بأسرها، الشخصية والجماعيّة.

أضاف الأب الأقدس يقول وبالتالي نناشد بشكل خاص، في جميع أنحاء العالم، رجال ونساء الثقافة والعلم والرياضة والفنانين والعاملين في وسائل الإعلام، لكي يوقعوا هم أيضًا على هذا الميثاق ويكونوا بشهادتهم وعملهم معزّزين لقيم الرعاية والسلام والعدالة والخير والجمال وقبول الآخر والأخوة. لا يجب أن نتوقع كل شيء من الذين يحكموننا، سيكون الأمر صبيانيًا. نحن نتمتع بمساحة من المسؤولية المشتركة قادرة على إطلاق وخلق عمليات وتحولات جديدة. علينا أن نكون جزءًا فعالاً في إعادة تأهيل ودعم المجتمعات الجريحة. نقف اليوم أمام فرصة كبيرة للتعبير عن كوننا إخوة، ونكون سامريين صالحين آخرين يأخذون على عاتقهم آلام الفشل، بدلاً من إثارة الكراهية والاستياء. عملية متعددة الأوجه قادرة على إشراكنا جميعًا في إجابات مهمّة، حيث ينسجم التنوع والنهج من أجل البحث عن الخير العام. القدرة على خلق الانسجام: هذا ما نحتاج إليه اليوم.

لهذه الأسباب تابع البابا فرنسيس يقول نلتزم شخصيًا ومعًا لنضع الشخص البشري وقيمته وكرامته في محور كل عملية تربويّة رسمية وغير رسمية، من أجل إبراز خصوصيته وجماله وتفرُّده، وفي الوقت عينه قدرته على أن يكون في علاقة مع الآخرين ومع الواقع الذي يحيط به، من خلال رفض أنماط الحياة التي تعزّز انتشار ثقافة الإقصاء. ثانيًا: لكي نصغي إلى أصوات الأطفال والشباب الذين ننقل إليهم القيم والمعرفة، لكي نبني معًا مستقبلًا يسوده العدل والسلام، وحياة كريمة لكل إنسان. ثالثاً: تعزيز المشاركة الكاملة للفتيات في التعليم. رابعاً: اعتبار العائلة المربي الأول الذي لا غنى عنه. خامسًا: أن نربّي الآخرين ونربي أنفسنا على قبول الآخرين، من خلال الانفتاح بشكل أكبر على الضعفاء والمهمشين. سادسًا: أن تلتزم بالدراسة من أجل إيجاد طرق أخرى لفهم الاقتصاد، وفهم السياسة، وفهم النمو والتقدم، لكي يكونوا حقًا في خدمة الإنسان والعائلة البشرية بأسرها في منظور إيكولوجيا متكاملة. سابعا: أن نحرس بيتنا المشترك وننميّه، ونحميه من استغلال موارده، من خلال اعتماد أنماط حياة أكثر رصانة، والاستفادة الكاملة من الطاقات المتجددة التي تحترم البيئة البشرية والطبيعية، وفق مبادئ التعاضد والتضامن والاقتصاد الدائري.

وختم البابا فرنسيس رسالته بالقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، بشجاعة نود أن نلتزم، أخيرًا، بإعطاء الحياة، في بلداننا الأصلية، لمشروع تربوي، من خلال استثمار أفضل طاقاتنا بالإضافة إلى إطلاق عمليات إبداعية وتحولية بالتعاون مع المجتمع المدني. في هذه العملية، ستكون النقطة المرجعية العقيدة الاجتماعية التي، وإذ تستلهم من تعاليم الوحي والأنسنة المسيحية، تقدم نفسها كأساس متين ومصدر حي من أجل إيجاد الطرق التي يمكن اتباعها في حالة الطوارئ الحالية. إن استثمار كهذا في التنشئة يقوم على شبكة من العلاقات الإنسانية والمنفتحة، يجب أن يضمن حصول الجميع على تعليم جيد، يتلاءم مع كرامة الشخص البشري ودعوته إلى الأخوَّة. لقد حان الوقت لننظر إلى الأمام بشجاعة ورجاء. ولذلك، لتعضدنا القناعة بأن بذرة الرجاء تسكن في التربية: رجاء سلام وعدالة؛ رجاء جمال وصلاح؛ رجاء انسجام اجتماعي.  لنتذكر، أيها الإخوة والأخوات، أن التحولات العظيمة لا تُبنى على طاولة: لا. وإنما هناك "هندسة" للسلام تتدخل فيها مختلف مؤسسات المجتمع وأفراده، كل حسب اختصاصه ومن دون استثناء أحد. هكذا علينا أن نسير قدمًا: جميعًا معًا، كل فرد منا كما هو، ولكن علينا أن ننظر على الدوام إلى الأمام معًا، نحو بناء حضارة الانسجام والوحدة، حيث لا يوجد مكان لهذا الوباء السيئ لثقافة الإقصاء.