أنت هنا

15/10
 

تذكار القديس البار الشهيد في الكهنة لوكيانوس كاهن مدينة أنطاكية (+312م)

"15/10 غربي (29/10 شرقي )"

نشاء لوكيانوس في مدينة أنطاكية العظمى، والبعض يقول في مدينة سميصاط السورية التي منها بولس السميصاطين أسقف أنطاكية الهرطقي المعروف. تلقى في شبابه قسطا وافرا من العلوم الدنيوية. ولما مات والداه وهو في سن الثانية عشرة وزع ما لديه على الفقراء وارتحل إلى مدينة الرها حيث تتلمذ لمعلم ذائع الصيت اسمه مكاريوس. وقد أضحى لوكيانوس أحد أكبر المعلمين في الكنيسة في زمانه.

يقال عنه انه كان من أوائل من خرجوا إلى حياة النسك في أنطاكية. والقديس أثناسيوس الإسكندري يسميه" ناسكا كبيرا". ينقل مترجم سيرته عنه انه كان يمارس النسك الرهباني الشديد، فلا يتناول طعامه إلا حوالي الساعة الثالثة من بعد الظهر ويصوم أحيانا أسابيع بأكملها. طعامه كان يقتصر على الخبز اليابس والبقول. ولا يقرب النار في فصل الشتاء مهما كان البرد قارصا. وقد اعتاد أن يستغرق في الصلوات الطويلة باكيا خطاياه.

وفي أنطاكية انضم لوكيانوس إلى اكليروس المدينة. وقد أسس فيها مدرسة أنطاكية الشهيرة في تاريخ الكنيسة، وهي المدرسة التي اتبعت في تعاطيها مع الكتب المقدسة أسلوب التفسير البياني للنصوص وتأكيد معانيها الحرفية، في مقابل الأسلوب التأويلي الذي جرى عليه اوريجنوس ومدرسته في الإسكندرية في الوقت عينه. والى لوكيانوس يعود فضل التدقيق في النصوص العبرية المقدسة التي كانت قد امتدّت إلى البعض منها أيدي الهرطقة فعبثت بها. ويقول القديس ايرونيموس أن ترجمة الكتاب المقدس من العبرية إلى اليونانية بيد لوكيانوس كانت عظيمة القيمة، دقيقة، سلسة وأنها انتشرت بين القسطنطينية وأنطاكية.

لاحق جنود الإمبراطور مكسيميانوس هذا الأب القديس فيما اشتدت وطأة الاضطهاد على المسيحيين عموماً. وقد تمكن هو من التواري فترة من الزمان إلى أن وشي به كاهن هرطوقي حسود.

قبض على لوكيانوس وسيق إلى مدينة نيقوميذية، العاصمة الشرقية للإمبراطورية. وقد تمكن أثناء الطريق من هداية أربعين من العسكر قضى أكثرهم شهيدا وفي سبيل الإيمان.

وفي نيقوميذية جرى استجواب لوكيانوس وعومل أسوأ معاملة. ويبدو انه لعب دوراً بارزاً في نيقوميذية، في تشديد المسيحيين وحملهم على التمسك بإيمانهم بالمسيح، بعدما سلك بعضهم طريق الكفر تحت وطأة التهديد إنقاذا لحياته.

وعاده بعض تلاميذه الأنطاكيين في سجنه يوم عيد الظهور الإلهي، عام 312 للميلاد. وإذ أراد أن يقيم الذبيحة جعل من صدره مذبحا لها. 

وفي عظة ألقاها القديس يوحنا الذهبي الفم عن القديس لوكيانوس وصف وإكبار لأبرز ما عاناه هذا القديس الشهيد في نيقوميذية. وقد جاء في العظة ما يلي:

"... ترك القديس طويلا دون أن يحضر له جلادوه أي طعام. ولما رأوا انه لم يتلاش، وضعوا أمامه لحوما سبق أن قدمت للوثان... ورغم أن التجربة كانت قاسية للغاية، فإن القديس الشهيد خرج منها منتصراً... وإذ رأى عدو البشر انه لم يظفر بلوكيانوس، جرهّ، من جديد، إلى المحاكمة.. وسعى إلى إنهاكه بشتى الاستجوابات التي أخضعه لها.. لكن جواب القديس على كل الأسئلة التي طرحت عليه كان:" أنا مسيحي". سألوه: "من هي عائلتك ومن هم أقرباؤك؟" فقال" أنا مسيحي"... طبعاً، لم تكن تنقص لوكيانوس قوة البلاغة... لكنه كان يعرف جيدا انه بالإيمان يغلب لا بالبلاغة، وان الدرب الأكيد ليس أن يعرف المرء لغة الكلام بل لغة المحبة... بهذا الجواب" أنا مسيحي" أكمل لوكيانوس سعيه...

وبعدما تضجر جلادوه من ثباته خنقوه، في حبسه، سرا، بأمر من الإمبراطور مكسيميانوس ثم ألقوا جثمانه في البحر ليمحوا أثره. ولكن تمكن تلاميذه، غليكاريوس، بعدما تراءى له القديس، من التقاط رفاته. وقد كان استشهاده في اليوم السابع من شهر كانون الثاني من العام 312 للميلاد.

يذكر أن بعض المصادر القديمة والحديثة حاول الصاق تهمة الهرطقة بالقديس لوكيانوس باعتباره أبا للأريوسية أو محاربا لبولس السمياطي المدان في مجمع أنطاكية عام 269 للميلاد. لكن الثابت أن لوكيانوس رقد في كنف الكنيسة الأرثوذكسية. وقد قال عنه القديس أثناسيوس الإسكندري انه قديس كبير وشهيد عظيم.