أنت هنا

فاتيكان نيوز
تاريخ النشر: 
السبت, سبتمبر 5, 2020 - 09:51

القائمة:

 

البابا فرنسيس: إن إبداع الحب هو الذي يعطي مجدّدًا معنى للحاضر لكي يفتحه على مستقبل أفضل

 

فاتيكان نيوز

 

"إن الربح الحقيقي، في الواقع، يتكون من غنى يمكن للجميع الحصول عليه، لأنَّ ما أملكه حقًا هو ما أعرف كيف أعطيه" هذا ما كتبه قداسة البابا فرنسيس في رسالته إلى المشاركين في منتدى "European House – Ambrosetti"
 

بمناسبة انعقاد منتدى "European House – Ambrosetti" في الرابع والخامس من شهر أيلول سبتمبر الجاري في فيلاديستيه في تشيرنوبيو وجّه قداسة البابا فرنسيس رسالة للمشاركين كتب فيها يتطلب النقاش هذا العام حول مواضيع متعلّقة بالمجتمع والاقتصاد والتجدّد التزامًا كبيرًا للإجابة على التحديات التي تسببها أو زادت من حدتها حالة الطوارئ الصحية والاقتصادية والاجتماعية. من تجربة الوباء نتعلم جميعًا أنه لا أحد يخلّص نفسه بمفرده. لقد اختبرنا بأنفسنا الهشاشة التي تميزنا وتوحدنا. وفهمنا بشكل أفضل أن كل خيار شخصي له تبعات على حياة القريب، ومن هم حولنا، ولكن أيضًا على الموجودين جسديًا في الجزء الآخر من العالم. لقد أجبرتنا الأحداث على مواجهة انتماءنا المتبادل، وكوننا إخوة في بيت مشترك. ونظرًا لعدم قدرتنا على التضامن في الخير ومقاسمة الموارد، فقد اختبرنا تضامن المعاناة.

تابع الأب الأقدس يقول على المستوى الثقافي العام، علّمتنا هذه التجربة أكثر من ذلك بكثير. لقد أظهرت لنا في الواقع، عظمة العلم وإنما أيضًا محدوديّته؛ لقد قوضت مقياس القيم التي تضع المال والسلطة في القمة؛ أعادت طرح - من خلال البقاء في المنزل معًا، آباء وأبناء، صغار وكبار - مصاعب العلاقات وأفراحها؛ وأجبرتنا على الاستغناء عن الفائض والتوجّه نحو الأساسي. لقد كسرت الدوافع الهشة التي كانت تدعم نموذجًا معينًا للتنمية. وبالتالي وإزاء مستقبل يبدو غير أكيد وصعب، ولاسيما على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، نحن مدعوون لكي نعيش الحاضر من خلال تمييز ما يتبقى مما يمر، وما هو ضروري مما هو ليس كذلك.

أضاف الحبر الأعظم يقول في هذه الحالة، يُعتبر الاقتصاد، بمعناه الإنساني "قانون بيت العالم"، مجالًا متميزًا بسبب ارتباطه الوثيق بالأوضاع الحقيقية والملموسة لكل رجل وامرأة. وبالتالي يمكنه أن يصبح تعبيرًا عن "الرعاية"، التي لا تستثني بل تشمل، ولا تُميت بل تُحي، ولا تضحي بكرامة الإنسان لأصنام المال، ولا تولِّد العنف وعدم المساواة، ولا تستخدم المال للسيطرة بل للخدمة. إن الربح الحقيقي، في الواقع، يتكون من غنى يمكن للجميع الحصول عليه، لأنَّ ما أملكه حقًا هو ما أعرف كيف أعطيه.

تابع البابا فرنسيس يقول في المأساة التي ما زالت تحزن البشرية بأسرها، لم يكن حتى العلم والتكنولوجيا كافيين. وكان العنصر الحاسم هو فائض السخاء والشجاعة الذي جسّده العديد من الأشخاص. يدفعنا هذا الأمر إلى الخروج من النموذج التكنوقراطي، المقصود منه أن يكون النهج الوحيد أو السائد للمشاكل. نموذج مطبوع بمنطق السيطرة على الأشياء، في الافتراض الخاطئ بأن هناك كمية غير محدودة من الطاقة والوسائل القابلة للاستخدام، وأن تجديدها الفوري ممكن وأن الآثار السلبية للتلاعب بالطبيعة يمكن استيعابها بسهولة. لكن من الأهمية بمكان أن يصار إزاء الطبيعة والأشخاص إلى تغيير ذهنيّة ضروري يوسّع النظر ويوجّه التقنية، واضعًا إياها في خدمة نوع آخر من نموذج التنمية، أكثر صحة، وأكثر إنسانية، وأكثر اجتماعية وأكثر تكاملا.

أضاف الحبر الأعظم يقول حان الوقت للتمييز، في ضوء مبادئ الأخلاق والخير العام، من أجل إعادة الانطلاق التي نريدها جميعًا. يستخدم القديس أغناطيوس دي لويولا، مؤسس الرهبنة اليسوعيّة، هذا المصطلح بشكل متكرر في كتاباته، مستلهمًا من تقليد الحكمة الكتابي العظيم، ولاسيما، من كلمات يسوع الناصري. لقد كان يسوع يدعو مستمعيه، ويدعونا نحنا اليوم جميعًا، إلى عدم التوقف عند الجانب الخارجي للظواهر، وإنما لكي نميّز بحكمة علامات الأزمنة. ولكي نحقق هذه الغاية، هناك مكونان ينبغي أخذهما بعين الاعتبار: الارتداد والإبداع. يتعلّق الأمر من جهة بعيش ارتداد إيكولوجي، من أجل إبطاء وتيرة غير إنسانية من الاستهلاك والإنتاج، ولكي نتعلم أن نفهم الطبيعة ونتأمّل بها، ونستعيد الاتصال مع بيئتنا الحقيقية. وبالتالي علينا أن نعمل من أجل ارتداد إيكولوجي لاقتصادنا، بدون أن نستسلم لتسريع الوقت وللعمليات البشرية والتكنولوجية، وإنما بالعودة إلى العلاقات المعاشة وغير المستهلكة.

من جهة أخرى تابع البابا يقول نحن مدعوون لكي نكون مبدعين، مثل الحرفيين، ونصوغ مسارات جديدة ومبتكرة من أجل الخير العام. ويمكننا أن نكون مبدعين فقط إذا كنا قادرين على قبول نفحة الروح القدس، الذي يدفعنا لكي نجازف في اتخاذ خيارات جديدة وناضجة، غالبًا ما تكون شجاعة أيضًا، تجعلنا رجالًا ونساء يترجمون تنمية بشرية متكاملة نطمح إليها جميعًا. إن إبداع الحب هو الذي يمكنه أن يعطي مجدّدًا معنى للحاضر لكي يفتحه على مستقبل أفضل. من أجل هذا الارتداد وهذا الإبداع، من الضروري تنشئة ودعم الأجيال الجديدة من الاقتصاديين ورجال الأعمال. ولهذا السبب دعوتهم، من التاسع عشر وحتى الحادي والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، إلى أسيزي، حيث تجرّد الشاب فرنسيس من كلِّ شيء لكي يختار الله كنجم يقود حياته، وجعل نفسه فقيرًا مع الفقراء وأخًا عالميًا. ومن اختياره للفقر انبعثت أيضًا رؤية للاقتصاد لا تزال اليوم آنيّة. وبالتالي من الأهميّة بمكان أن نستثمر في الأجيال الجديدة كرواد لاقتصاد الغد، وننشئ أشخاصًا مستعدين لوضع أنفسهم في خدمة الجماعة، وثقافة اللقاء. إنّ اقتصاد اليوم، والشباب والفقراء يحتاجون أولاً وقبل كل شيء إلى إنسانيتكم، وأخوتكم المحترمة والمتواضعة، وبعد ذلك فقط إلى مالكم.

أضاف الأب الأقدس يقول يتم في منتداكم تنظيم جدول أعمال لأوروبا. لقد مرت سبعون عامًا على إعلان شومان، في التاسع من أيار مايو ١۹٥٠، الذي أسس الشكل البدائي للاتحاد الأوروبي. واليوم، أكثر من أي وقت مضى، تُدعى أوروبا لأن تكون رائدة في هذا الجهد الإبداعي لكي تخرج من صعوبات وضيقات النموذج التكنوقراطي الذي يمتدُّ إلى السياسة والاقتصاد. هذا الجهد الإبداعي هو جهد التضامن، والترياق الوحيد ضدّ فيروس الأنانية، وهو أقوى بكثير من فيروس الكورونا. إذا تم تصور تضامن في الإنتاج، فيجب أن يمتد هذا التضامن اليوم إلى خير أثمن: الإنسان. إذ يجب وضعه في مكانه الصحيح، أي في محور التربية والصحة والسياسات الاجتماعية والاقتصادية. كما ينبغي قبوله وحمايته ومرافقته وإدماجه عندما يطرق أبوابنا بحثًا عن مستقبل رجاء.

 أضاف الأب الأقدس يقول ستكون مدينة المستقبل أيضًا في محور تأملاتكم. ليس من باب الصدفة أن يتحقق مصير البشرية في الكتاب المقدس في مدينة، أورشليم السماوية التي يصفها سفر الرؤيا. مدينة سلام، كما يدل اسمها، وأبوابها مفتوحة دائمًا لجميع الشعوب؛ مدينة على مقياس إنساني، جميلة ومشرقة. مدينة متعددة الينابيع والأشجار. مدينة مضيافة، حيث يُقهر المرض والموت. يمكن لهذا الهدف السامي أن يحرّك أفضل طاقات البشرية في بناء عالم أفضل. لذلك، أدعوكم لكي ترفعوا نظركم وتتحلّوا بمُثُل عليا وتطلعات كبيرة.

وختم قداسة البابا فرنسيس رسالته بالقول أتمنّى أن تكون أيام النقاش هذه خصبة، وتساعدكم على السير معًا وتوجّهكم وسط ارتباك الأصوات والرسائل لكي تتنبّهوا لكي لا يضيع أحد. أشجعكم على إعطاء دفع إضافي من أجل بناء أساليب جديدة لفهم الاقتصاد والتقدم، وتحاربوا جميع أشكال التهميش، مقدّمين أنماط حياة جديدة، ومعطين صوتًا لمن لا صوت لهم.