أنت هنا
تذكار الشهيد في رؤساء الكهنة بابيلا ( منير) اسقف أنطاكية (+ القرن الثالث)
4/9 غربي (17/9 شرقي)
جاء في كتاب " تاريخ الكنيسة" لأفسافيوس (+340) ما يلي: "يفيد بعض المصادر ان الامبراطور الروماني فيليبس، لما كان مسيحيا، رغب، ليلة الفصح، ان يشترك مع الجموع في صلوات الكنيسة، فمنعه الأسقف بسبب كثرة الجرائم التي ارتكبها ما لم يدل، اولا، باعتراف صريح بخطاياه ويدخل في عداد التائبين. فما كان من الامبراطور سوى أن أذعن للحال..."
هذا الأسقف الشجاع الذي تحدّث عنه افسافيوس والذي صار مضرب المثل، على مرّ العصور، هو القدّيس بابيلا.
لا نعرف الكثير عن بابيلا. ولعلّه تبوأ عرش أسقفية انطاكية في العام 237 خلفا لزابينوس، فأضحى الاسقف الثاني عشر على المدينة العظمى بعد القدّيس بطرس الرسول. ويقال ان اسقفيته امتدّت ثلاثة عشر عاما، ايام الأباطرة الرومان غورديانوس وفيليبس العربي وداكيوس.
فأما فيليبس فكان من بلاد حوران، من قرية قريبة من مدينة بصرى. ويبدو ــ حسبما يشير بعض المصادر القديمة ـــ انه كان وزوجته سفيرة مسيحين. لكن هذا لم يكن بحال دليلا على سيرة طيبة سارها في حياته، لأن فيليبس كان عسكري وصوليا لا يتورّع عن القتل والتآمر لينال مبتغاه. وينقل عنه انه دسّ السم لعم غورديانوس قيصر ليأخذ مكانه في الحكم، ثم ضغط على غورديانوس فأعطاه لقب قيصر. واذ خشي غورديانوس جانبه أعطاه ابنه الصغير عربون وحدة وسلام بينهما. لكن فيليبس ما لبث ان فتك بغورديانوس وقتل الصبي وانتزع العرش. ويبدو أن أخبار جرائمه، كانت على كل شفة ولسان. وهذا ما حدا بالأسقف بابيلا الى الوقوف في وجهه ومنعه من دخول الكنيسة ما لم يعترف بخطاياه ويتب عنها.
لقد ذكر بابيلا عدد من آباء الكنيسة بإكبار عظيم، لا سيما القدّيس يوحنا الذهبي الفم الذي قال عنه إنه كان رجلا عظيما وعجيبا. وقد قال عنه ايضا: "هل هناك إنسان في العالم كان يمكن لبابيلا أن يخشاه، بعدما وقف في وجه الامبراطور بمثل هذا السلطان؟ لقد لقّن الملوك، بذلك، درسا أن لا يحاولوا بسط سلطانهم الى أبعد من القدر المسموح به من الله، كما أعطى رجال الكنيسة مثلا كيف ينبغي ان يستعملوا السلطات المعطى لهم".
أما استشهاد بابيلا فيظن انه كان هكذا: في العام 249 للميلاد فتك داكيوس بفيليبس قيصر. ثم في العام 250 باشر حملة اضطهاد للمسيحين، فقبض جنوده على بابيلا وطرحوه في السجن حيث قضى، نتيجة المعاملة السيئة التي لاقاها. ويقال ان بابيلا طلب قبل موته ان تلقى السلاسل معه في القبر لأنه اعتبرها أداة لانتصاره. وقد بنى المسيحيون كنيسة فوق ضريحه.
والى جانب بابيلا يذكر التقليد استشهاد ثلاثة أولاد اخوة كان لهم بمثابة أب: اوربانوس (12 سنة) وبرلدان ( بريليديانوس) ( 9 سنوات) وهيبولينوس (7سنوات) وأمهم أمة الله ( ثيودولا).
وبعد استشهاد بابيلا بحوالي مئة عام، وبالتدقيق في السنة 351، كان غالوس قيصر، شقيق يوليانوس الجاحد، مقيما في انطاكية، وهو أمير تقي ورع، يكرم القدّيسين الشهداء على نحو مميّز. هذا أقلقه ان في " دفني"، وهي ضاحية من ضواحي انطاكية، هيكلا وثينا فيه تمثال لأبولون شاع بين الناس انه يتنبأ بالمستقبلات، وأحدث بلبالا، لا سيما بين المؤمنين، ليس بقليل. واذ رغب غالوس قيصر في تطهير تلك الناحية من أعمال الشيطان وممارسات اللهو والفجور، اقام، مقابل هيكل ابولون، كنيسة نقل اليها رفات القدّيس بابيلا. وللحال خرس شيطان التمثال ولم يعد يسمع له صوت، واختشى الناس واستشعروا.
وبقين الحال على هذا النحو الى أن جاء يوليانوس الجاحد الى انطاكية في العام 362 راغباً في كلمة نبوءة بشأن حربه ضد الفرس. واذ وجد تمثال أبولون صامتا، قام بذبح مئات الحيوانات وتقديمها على مذبح الوثن راجيا أبولون أن يعود الى سابق نبوءاته، أو على الأقل، ان يقول لماذا توقّف عن الكلام. فلم يشأ الشيطان أن يذكر رفات القدّيس بابيلا بالاسم، بل اكتفى بالقول أن في "دفني" جثثا كثيرة ينبغي ابعادها اولا حتى يعود "ابولون" الى الكلام. ففهم يوليانوس ان المقصود هو القدّيس بابيلا، في الجوار. فأمر المسيحيين أن يخرجوا رفات القدّيس من المكان. وما ان فعلوا حتى ضربت صاعقة الهيكل الوثني فأضرمت فيه النيران. ثم تبعت الصاعقة هزّة ارضية دكت ما تبقى من الجدران فأحالتها كومة من الحجارة.
"4" أيلول
القدّيس موسى النبي معاين الله
من قبيلة لاوي. ولد في مصر أيام كان العبرانيون في خدمة فرعون. عندما ولد، كان هناك أمر فرعوني قد صدر بأنه لا يجوز لأولاد العبرانيين الذكور ان يعيشوا. ألقته أمّه في سلّ في نهر النيل، فرأته ابنة فرعون وتبنته. اسم موسى معناه: "المنقَذ من الماء"
نشأ موسى بين المصريين وأتقن حكمتهم. ولما بلغ الاربعين قتل مصريا كان يتعارك وعبراني، اضطر الى الفرار. لجأ الى بلاد مدين حيث تزوّج سيفورا ابنة يثرو، كاهن مدين، فأنجبت له ابنا سمّاه جرشوم الذي معناه "أنا غريب في أرض غريبة". في مدين عاش موسى راعيا لأغنام عمّه. هناك بين الجبال والبرّية، في كنف الوحدة والسكون، أعد الله عبده موسى لعمل عظيم، ليكون راعيا لشعبه اسرائيل.
وحدث يوما انه ساق قطيعه الى جبل سيناء الذي هو حوريب، فظهر له الله وعاينه موسى، على قدر ما يمكن الانسان أن يعاين الله. رأى موسى، بأم العين، علّيقة ملتهبة بنور أشدّ ضياء من نور الشمس ولم تحترق. فكان ذلك بمثابة رسم للسرّ الكبير الذي تمّ بمجيء المخلّص في الجسد من مريم البتول.
قضى موسى في مدين أربعين سنة، ثم عاد الى مصر بناء لأمر الله. عاد ليخلّص الشعب العبراني من عبودية فرعون. واذ بدت المهمة صعبة عليه وحده، وهو الذي لا يملك موهبة الكلام، أعطاه الرب الإله هارون أخاه معينا ومعبّرا لدى الشعب.
دخل موسى وهارون الى فرعون وأبلغاه بكلام الله ان يدع الشعب الاسرائيلي يذهب، فلم يصغ اليهما، لأن العبرانيين كانوا عبيدا نافعين، لا سيما في البناء.
وضرب الله مصر عشر ضربات بواسطة عبده موسى. حوّل مياه مصر الى دم، وأرسل لهم الضفادع فملأت الشوارع والمخادع، ونفخ الغبار فصار بعوضا وفتك الناس، وبعث بالذباب فأفسد الأرض، وأمات مواشي المصريين وملأ الدنيا رمادا، وضرب الناس والبهائم بالقروح، وأمطر البرد فخرّب المزروعات، وأرسل الجراد فغطّى وجه السماء، وكسف نور الشمس، وأخيرا ضرب كل بكر من ابكار المصريين. كل ذلك نجده مفصّلا في كتاب المقدّس، في سفر الخروج.
أخيراً، ، ترك فرعون الشعب يذهب. وفي الطريق، شقّ الرب امام شعبه البحر الاحمر فعبر على اليبس، ثم ردّ المياه على المصريين بعدما ندموا لتركهم العبرانيين يذهبون ولحقوا بهم طالبين إعادتهم الى مصر عبيدا.
وقاد موسى الشعب العبراني في الصحراء أربعين سنة، يربّيه بإيعاز الله ويعدّه لاقتبال خيرات أرض الميعاد. ورغم التعديات والجحود الذي أبداه العبرانيون في الطريق، رغم اشتياقهم الى ارض العبودية، مصر، والى الثوم والبصل هناك، والى عبادة الأصنام، لم يتخلّ الله عنهم، بل صبر عليهم واعتنى بأمرهم، وكان لصلاة موسى ووساطته دورها الكبير في ذلك.
في البريّة، أظهر الرب الإله على شعبه من خلال آيات شتى صنعها امامهم، فأنزل لهم الّمن من السماء يقتاتون به، وحلّى المياه المرّة، وقادهم بالغيمة نهرا، وبلمعان النور ليلا، ونصرهم على أعدائهم.
ولما قرب الشعب من جبل سيناء، دعا الرب الإله موسى ليصعد اليه. هناك، على الجبل، أظهر العلّي نفسه لموسى في غيمة مضيئة وصوت الأبواق. كلّك موسى الله كما يكلّم الصديق صديقه، وأجابه الله بالرعود. أظهر الله مجده وعلّم موسى أحكام الشريعة. وبقي موسى، فوق، أربعين يوما تلقّن خلالها ما كان ضروريا لاقتناء الفضية ومعرفة الله. كذلك تلقّن من الله المواصفات الدقيقة الخاصة ببناء الخيمة، والطقوس التي ينبغي على الشعب تأديتها انتظارا لمجيء المسيح بالجسد.
وبعدما تملأ موسى من كل هذه الإعلانات السماوية، نزل مزوّدا بلوحين حجريين عليهما الوصايا العشر خطّها الله بإصبعه. كان النور الالهي قد دخل عميقا الى قلبه وطفح على وجهه. واذا لم يكن الشعب قد تلقّن، بعد، اسرار الله، لم يستطع تحمّل النظر الى وجه موسى، فاضطر لأن يضع برقعاً على وجهه.
ورغم كل العلامات والآيات التي أعطاها الله لشعبه، استمر الشعب يخطىء الى الرب إلهه ويمرمر عبده موسى.
ومع أن موسى لم يكفّ عن التوسط لدى الله من أجل الشعب، فانه شكك في عون الله عندما عطش الشعب في مريبا. ولكن، بأمر من الله، ضرب موسى الصخرة، فخرج منها ماء حي وشرب الشعب. وكان لخطيئة موسى والشعب ثمنها، فقال الرب الاله انه لا يدخل الى ارض الميعاد كل ذلك الجيل الذي خرج من مصر لأنه لم يؤمن بوعود الله. بالفعل، عندما بلغ موسى سنّه المئة والعشرين، وكان الشعب على وشك الدخول الى الأرض التي تفيض لبنا وعسلاً، صعد موسى، بناء لأمر الله، الى قمة أباريم وعاين أرض فلسطين من بعيد. وهناك، على تلك الأكمة، رقد موسى ودفن. ولا يعرف أحد الى اليوم الموضع الذي دفن فيه.
هذا هو موسى، كليم الله، الذي جاء في سفر العدد أنه كان حليماً جداً اكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض( عدد 12: 3).
موسى رمز من رموز المسيح في العهد القديم. فالرب يسوع حرّر البشرية من عبودية الخطيئة والموت، موسى حرّر الشعب من عبودية فرعون. الرب يسوع يقودنا الى ملكوت ابيه عبر حياة التوبه، وموسى قاد الشعب الى ارض الميعاد عبر صحراء التروّض على طاعة الله. الرب يسوع علّم كلمة الحياة، وموسى كان معلما للشريعة. الرب يسوع وسيط وحيد بين الله الآب والناس، وموسى كان وسيطا وحيدا بين الله وشعبه اسرائيل.
في العهد الجديد، ظهر موسى مع ايليا يتحدثان، على قمة ثابور، الى الرب يسوع، فكان ذلك بمثابة إشارة الى انه في المسيح اكتمل سعي موسى، وللمسيح كانت شهادة الشريعة في العهد القديم، واعداداً لمجيء المسيح كانت هذه الشريعة.



