كثيرة هي نقاط ضعف عالم البحار والعاملين فيه، عالم ثمين للبشرية من حيث الاقتصاد والتجارة والغذاء وحماية البيئة. يواجه البحارة والصيادون العديد من المخاطر الجسدية، ويواجهون أيضًا تحديات اقتصادية كبيرة، ويعيشون معاناة وصعوبات تفاقمت بسبب وباء فيروس الكورونا. ومع ذلك، لا يُخفى أي شيء من هذه الصعوبات عن المرشدين والمتطوعين الذين، ومنذ ولادة راعوية البحر، يسمعونها في حوالي ثلاثمائة ميناء، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، في كابلات السفن، وفي جميع الأوقات.
مرور مائة عام على تأسيس راعوية البحر تعني القرب، وفي هذه اللحظة، تعني أيضًا تعزيز صوت الذين يعيشون في ضواحي العالم ولا صوت لهم؛ لكي يتم الاعتراف بحقوقهم وحمايتها ويقوموا بعملهم بأمان. يُخصص شهر آب (أغسطس)، في صلاة الأب الأقدس، للبحر والعاملين فيه ولكنه ليس سوى إحدى المناسبات التي كرسها البابا فرنسيس لهذا الموضوع، ومن الواضح أنه من أجل مصلحة خاصة. لكن ما هي؟ هذا ما حدثنا عنه الأب برونو تشيشيري المسؤول عن راعوية البحر داخل الدائرة الفاتيكانية التي تعنى بخدمة التنمية البشرية المتكاملة. قال الأب تشيشيري هناك أسباب محددة لهذه التدخلات من قبل الأب الأقدس لأناس البحر. ففي حزيران يونيو الماضي، أراد البابا أن يشكر البحارة على العمل الذي قاموا به خلال فترة الحجر الصحّي، عندما كان كل شيء متوقفًا، إذ استمر البحارة في نقل تسعين بالمائة من البضائع وبشكل خاص قاموا بنقل المعدات الطبية من جهة إلى أخرى من العالم. أما مداخلة الأب الأقدس الثانية فكانت في الثالث عشر من تموز يوليو، بمناسبة ما يُعرف بأحد البحر، وهو يوم أحد نحاول فيه على صعيد مسكوني، مع الطوائف المسيحية الأخرى، أن نشكر البحارة على العمل الذي يقومون به لأنهم يجعلون حياتنا أسهل. من ثمَّ هناك، نية الصلاة هذه، في شهر آب أغسطس لأننا نحتفل هذا العام بالذكرى المئوية لتأسيس راعوية البحر وأردنا أن نسلّط الضوء على واقعنا. لكني أعتقد أن السبب الرئيسي وراء قرب الأب الأقدس من أناس البحر، هو أن العالم البحري هو إحدى الضواحي التي تحضر فيها الكنيسة وتعمل. فالموانئ هي في ضواحي المدن. ونحن موجودون هناك. من ثمَّ يجب أن أقول، للأسف، في عالم البحر، هناك بعض المواضيع العزيزة على قلب البابا فرنسيس، بسبب نوع المعاناة التي يعيشها الأشخاص. لنفكر على سبيل المثال في العمل القسري والاتجار بالبشر والعبودية: ولهذه الأسباب، فإن الأب الأقدس قريب من أناس البحر.
تابع الأب برونو تشيشيري متحدّثًا عن خطورة العمل القسري والتلوث وتأثيرهما على حياة البحارة وقال هناك تأثير كبير على البحارة وعلى عائلاتهم أيضًا. لنتحدّث أولاً عن الأخطار الطبيعية: هناك العاصفة، وهناك الإعصار وحتى لو كانت هذه السفن ضخمة، عندما تصطدم بقوة الطبيعة، فإنها تصبح أغصانًا صغيرة تُلقى هنا وهناك في البحر. ثم هناك الأخطار التي خلقها الإنسان وأقصد بذلك القرصنة. قبل بضع سنوات، بين عامي ٢٠١١- ٢٠١٢، كانت هذه هي المشكلة الرئيسية، أما الآن فقليلاً ما يتمُّ الحديث عنها، ولكن لا يزال لدينا مشاكل كبيرة مع القرصنة في بعض مناطق العالم. من ثمّ نأتي إلى حالة فيروس الكورونا خلال الأشهر الأخيرة. إن حياة البحار مرهقة في حد ذاتها. لأنها تجبره على الابتعاد عن عائلته لمدة تتراوح بين ثمانية إلى عشرة أشهر، وهي مدّة عقد العمل؛ فماذا حدث مع فيروس الكورونا ....؟ أغلقت الحدود ولم تعد الطائرات تحلق. لذلك علق هؤلاء البحارة على متن السفن تحوّل عقدهم من ثمانية إلى عشرة أشهر إلى أربعة عشرة أو ستة عشرة شهرًا. حاليًّا لدينا حوالي مائتي ألف بحار عالقين على متن السفن وهناك صعوبات في تغيير الطاقم. لذلك أود توجيه نداء إلى جميع الحكومات، وأود أيضًا أن أوجه نداءًا إلى السلطات في الموانئ: البحارة هم عمال أساسيون، ليس فقط للاقتصاد الإيطالي، وإنما للاقتصاد العالمي، وبالتالي يجب إنشاء قنوات خاصة من أجل تعزيز هذا التغيير في الطاقم ويجب أن نصر على ذلك، وإلا فسيزداد التعب عند هؤلاء الناس، وكذلك الإجهاد، ولاسيما الإجهاد النفسي. لقد وصلتني بعض التقارير من المرشدين عن البحارة الذين لم يصمدوا أمام هذا الضغط النفسي وانتحروا.
أضاف الأب برونو تشيشيري متحدّثًا عن عائدة الاقتصاد البحري على الاقتصاد الأرضي وقال يعتمد القسم الأكبر من العالم على البحر. نحن نعلم جيّدًا أن معظم المنتجات تأتي من شرق آسيا ويجب نقلها إلى هنا. إن النقل الجوي يكلف كثيرًا ولذلك هناك السفن. وإذا فكرنا للحظة: من الهاتف المحمول الذي نستخدمه في كل شيء، إلى التلفزيون، إلى الملابس، إلى السيارات، إلى البنزين، جميع هذه الأمور يتمُّ نقلها عن طريق البحر، لكننا أحيانًا لا ندرك ذلك. من ثمَّ، أنا متأكد من أن العديد منكم قد ذهب أيضًا في رحلة بحرية والرحلة البحرية تتم في البحر. علينا أن ندرك جميع هذه الأمور. من ثمَّ إذا انتقلنا إلى قطاع صيد السمك، يشارك حوالي ستين مليون شخص في العالم في صيد الأسماك وخمسة عشرة بالمائة من هؤلاء الأشخاص الذين يعملون في صيد الأسماك وتربية الأسماك هم من النساء، كما أن معظم الطعام الذي نتناوله يأتي من الأسماك. لذلك يجب أن نتذكّر أيضًا أن العديد من البلدان النامية لديها الأسماك كغذاء رئيسي. لذلك فإن عالم البحار ككل هو عالم مهم جدًا لنا جميعًا.
تابع الأب برونو تشيشيري متحدّثًا عن الكهنة الذي يعملون كمرشدين مع البحارة وقال يجب أن نقول إن الكنيسة كانت دائمًا قريبة من أناس البحر، من ثم وفي عام ١۹٢٠ اجتمعت مجموعة من العلمانيين وجمعت بدقة وقائع الكنيسة هذه وأطلقت عليها اسم راعوية البحر. هذه الحقيقة الصغيرة المكوّنة من أربع أو خمسة أشخاص علمانيين، نمت مع مرور الوقت وتطورت إلى اليوم حيث أصبح لدينا منظمة موجودة في ثلاثمائة ميناء مع العديد من المرشدين والمتطوعين. وماذا يعملون؟ يذهبون يوميًّا إلى الميناء، يصعدون على متن السفن، ويزورون البحارة، ويصغون إلى احتياجاتهم. هذا كان دائمًا قبل فيروس الكورونا. لكن ولسوء الحظ، مع فيروس الكورونا، كان هناك الحجر الصحّي، لكن كهنتنا قد وجدوا طرقًا جديدة ليكونوا حاضرين، فقد استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال قاموا أيضًا بإنشاء دردشة وهو تطبيق يمكن لأي بحار في أي مكان في العالم الاتصال به والعثور على شخص يتحدث لغته ويمكنه مساعدته وتعزيته. نحن نقدم عمومًا أي نوع من المساعدة: نبدأ من المساعدة الروحية، وبالتالي بالاحتفال بالقداس الإلهي على متن السفن، لكننا نتدخل أيضًا عند وقوع أحداث مأساوية على متن السفن. فقد يقع حادث ويموت شخص ما؛ أو يمكن للبحارة أن ينتحروا، وفي جماعة صغير من خمسة عشرة إلى عشرين شخص على متن سفينة، إذا حدث ما شيء لأحد منهم، يصبح هناك مأساة. ولذلك فالكهنة هم عمومًا أول من يصعد على متن السفينة ويحملوا لهم الراحة. لكن البحارة يحتاجون إلى العديد من الأشياء الصغيرة الأخرى: بالنسبة لنا هو أمر بسيط للغاية، إذا نفد الشامبو، وإذا نفد معجون الأسنان، فإننا نخرج ونشتريه. حسنًا، بالنسبة لهم، إذا وصلوا إلى الميناء في المساء وغادروا في الصباح، فلا أمل في الخروج للشراء. جميع الموانئ بعيدة عن المدينة: هنا نذهب أيضًا لشراء شامبو أو معجون أسنان، أشياء صغيرة مهمة بالنسبة لهم. ثم هناك شيء أساسي آخر: نوفر لهم خدمة wi-fi على متن السفينة بطرق مختلفة حتى يتمكن أولئك الذين لديهم هواتف محمولة من التواصل مع عائلاتهم ورؤيتهم.
وختم الأب برونو تشيشيري حديثه لموقع فاتيكان نيوز متحدّثًا عما يمكن للبحارة فعله لحماية البحر وقال أود أن أقول إنه في عالم البحر، وفي الصناعة البحرية، يتم فعل الكثير من أجل احترام البحر. على سبيل المثال، الحد من الانبعاثات الملوثة من السفن: يتم البحث عن أنواع مختلفة من الوقود حتى لا تلوث الهواء. أضف إلى ذلك، على سبيل المثال، غسل الحجرات، ففيما مضى كانت المياه تُلقى إلى البحر وربما كانت تحمل موادًا ملوثة؛ أما الآن فنحن نحاول تغيير كل هذا وسوف ننجح عاجلاً أم آجلاً. من ثمَّ، بالحديث عن الصيادين: ففي مناطق مختلفة من العالم، هم لا يصطادون الأسماك فحسب، بل يصطادون أيضًا البلاستيك الذي يجدونه في البحر وهناك الكثير منه، فيعيدونه إلى الأرض ويوكلونه لإعادة التدوير. لذلك هناك وعي وإدراك كبيرين جدًّا من قبل الصيادين فيما يتعلق باحترام البيئة. لكن أهم شيء يجب علينا فعله هو أن نلزم أنفسنا بعدم نثر البلاستيك في البيئة لأنه بما أن الأرض مغطاة بمعظمها بالمياه، فمن المؤكد أن ما نتركه في الأرض ينتهي به المطاف في الماء ويلوث المياه التي هي مصدر قوت، ليس فقط للصيادين والبحارة، وإنما لنا نحن أيضًا.