أنت هنا

22/08
 

القديسون الشهداء أغاثونيكوس ورفاقه (القرن 3/4م) 

(22 آب غربي ) 4/9 شرقي 

 

عندما استعر اضطهاد الإمبراطور الروماني مكسيميانوس للمسيحيين، أُوفد الكونت أفتولميوس ليُخضع المسيحيين. انتقل من نيقوميذية، العاصمة الشرقية للإمبراطورية، إلى البنطس واستباح دم المسيحيين حيثما حل. ولكن، بخلاف ما أمل، كان ذوو الإرادة الطيبة، جنودا أو حتى لصوصا، يُعجبون بجسارة التلاميذ الحقيقيين للمسيح فيهتدون إليه ويجاهرون بإيمانهم به. وقد هجر العديدون مدنهم إلى الريف ليعيشوا في مجموعات صغيرة انسجاما وأحكام الإنجيل. أهلك أفتولميوس منهم الكثيرين بالسيف وهدّد من كانوا من علّية القوم بتقييدهم بالسلاسل وسوقهم إلى أمام الإمبراطور. من قيصرية الجديدة وصل إلى مدينة صغيرة هي كاربي في بيثينيا. هناك أُسلم زوتيكوس إليه وهو أحد أعيان المسيحيين. سأله الكونت لماذا يعلم مواطنيه احتقار الذبائح المقدمة لآلهة الإمبراطورية، فأجاب أنه يطيع بذلك كلمة الله المُثبتة في الكتب المقدسة. فلما دعاه إلى التضحية تحت طائلة الموت أجابه: "المسيح يشاؤني ضحية ليتمجد اسمه حتى إلى أقاصي الأرض". على أثر محاكمة مقتضبة جرى به وببعض تلاميذه تنفيذ حكم الموت وقد أتى مؤمنون، فيما بعد، سرا، فاهتموا بمواراتهم الثرى.

إثر عودة أفتولميوس إلى نيقوميذية استقبله الوثنيون والمدّاحون بأصوات التهليل. قد نقلوا إليه أنه بعد خروج الإمبراطور إلى تراقيا، جرت هداية الشخصية الأولى في المدينة إلى عقيدة المسيح من الحكيم أغاثوينكوس، وأنهما يعيشان معا في قرية كوبينا. اغتاظ الكونت للخبر وأرسل جنودا لتوقيفهما. لما بلغ العسكر مقرّ إقامة القديس أغاثونيكوس مجّد هذا الأخير الله ووعد بأن يسير إلى منتهى الشهادة واثقا باقتدار المسيح. بإزاء شجاعته وإشعاع ثقته بالله اهتدى الجنود إلى المسيح، لكنهم، إتماما لمهمتهم، استاقوا القديس إلى نيقوميذية.

أوقف أفتولميوس القديس أغاثونيكوس أمامه، في مكان يُعرف ب "لامبسو"، وسأله إذا كان قد أقنع زعيم المشيخة المحلية بأن يصير مسيحيا. أجابه أن طاعة الله خير من طاعة الناس وذكّره بالشهادة المجيدة التي أدّاها شهداء العصور الفائتة: القديس بابيلا (4 أيلول) والقديس رومانوس (18 تشرين الثاني) الذي استشهد معه، إذ كان بعد ولدا، وكان الحاكم أب القديس أغاثونيكوس، المدعو أسكلبياديس. كذلك ذكّره بشهادة القديس أنثيموس، أسقف نيقوميذية (3 أيلول). دفاعيته جعلت الحاكم ومعاونيه في رومية، تبعا لنبوءة إلهية، أضاف القديس بأن من ينبذ أراضيه وغناه وشهرته من أجل الإنجيل، يأخذ مائة ضعف في هذه الحياة ويرث الحياة الأبدية (متى 29:19). أسلمه الكونت للجلد ثم أرسله إلى السجن لتقديمه وسواه من النبلاء الذي أوقفهم إلى الإمبراطور. أما المسيحيون ذوو المكانة الوضيعة فأمر بتصفيتهم بحد السيف. على هذا جُمعوا، عددا كبيرا، في إحدى مرتفعات المدينة حيث صلّوا بتواتر منتظرين ساعة موتهم من أجل الإيمان بيسوع. أما الرجال النافذون في المدينة، فقد أقلقتهم النجاحات المتنامية لأغاثونيكوس فضغطوا الحاكم أن يبعث به، بلا تأخير، إلى الإمبراطور، هو ورفاقه. على هذا انطلق أفتولميوس، في اليوم التالي، بالمساجين، فيما كان المؤمنون، في نيقوميذية، يتبعون الرَكب من بعيد حزانى على خسران رسولهم الجديد. فاستدار أغاثونيكوس نحوهم وقا لهم:" إن لكم يسوع والقديسين يصلون لكن من قلب نقي، فاسلكوا في مخافة الله والحق بقية أيام حياتكم".

أنهك الطاغية المسجونين من الجوع وسوء المعاملة. وإذ عرّج على قرية بوتامي أحضر لديه زينون واثنين من رفاقه، ثيوبريبيوس وأكاندينوس، وهم ضبّاك هداهم أغاثونيكوس إلى المسيح. وإذ استبان التعذيب في حقهم بلا نفع، أماتهم بالمنجنيق.

لما وصلوا إلى خلقيدونيا أتى كهّان الأصنام إلى أفتولميوس بشيخ اسمه سويريانوس كان هو الذي شدّد القديسة أوفيمية قبل شهادتها. هذا اتهموه بأنه حوّل مقرّ داريوس إلى مدرسة للتعليم المسيحيي مجتذبا بذلك عددا متناميا من المسيحيين إلى الإيمان. استجوبه الكونت، وإذ وجده غيورا في إدانته للوثنيين والإعلان عن العقاب الإلهي الذي ينتظرهم، أمر بإعدامه للتو خارج المدينة. أما القديسون الآخرون فاستيقوا إلى بيزنطية حيث مثُلوا أمام المحكمة. دُعي أغاثونيكوس، أولا، للخضوع لأوامر الإمبراطور. أجاب أن كلمة الله في المزمور تدعونا إلى نبذ مشورة المنافقين وعدم الوقوف في طريق الخاطئين (مز 1:1) والتكمل في الإيمان بالمسيح. فأردف القاضي بحنق: "إذا كان حقا هو الله والملك ذاك الذي تعترف به فكيف أماته اليهود؟  وكيف ترك ولم يخلص من الموت الذين، على مثاله، يناهضون آلهتنا؟ امتنع وتخلّ عن جنونك؟ أجابه القديس باعتراف إيماني بقدرة المخلص الذي تألم من أجلنا. وإذ صدر عليه حكم الموت، اقتادوه خارج المدينة ليسلخوه حيا. وفيما اختلط دمه ولحمانه بالتراب استدار في اتجاه رفاقه ليؤكد لهم أن آلام اللحظة الراهنة ليست شيئا قياسا بالمجد المزمع أن يظهر لخدام المسيح في الملكوت (رو 18:8). وقد ورد أن كلامه المختلط بدمه، في يقين ما بعده يقين، جعل بعض القضاة والسكريّين يهتدون إلى الإيمان.

وكان، بعد ذلك، أن بلغ أفتولميوس سيليبريا، في تراقيا، حيث كان مكسيميانوس، على ضفاف بحر مرمرا. وبعدما دفع إليه بتقرير في شأن ما فعله بالمسيحيين قدم له مَن هم من ذوي الرفعة بينهم. وكان لمكسيميانوس حديث مع أغاثونيكوس انتهى بتسليمه قديس الله ورفقته للموت، على أن يُكتفى بهذا القدر من الاضطهاد بعدما تبيّن أنه لم يحدّ كفاية من انتشار الإيمان بالمسيح. على هذا جرى قطع رأس أغاثونيكوس ورئيس مجلس الشيوخ ومسيحيين آخرين أسماؤهم مدوّنة في سفر الحياة. وقد اتخذ مسيحيو سيليبريا، فيما بعد، القديس أغاثونيكوس حاميا وشفيعا لمدينتهم. يذكر انه لما جرى إجلاء الروم الأرثوذكس سنة 1922، من آسيا الصغرى، نُقلت جمجمة القديس أغاثونيكوس إلى كافالا في اليونان.