أنت هنا
تاريخ النشر:
الثلاثاء, أغسطس 4, 2020 - 19:50
القائمة:
مريميات الشهر المريمي - العذراء في شهر آب
الموضوع الثالث: علامات التعبُّد الصّحيح لمريم.
هنالك عدة ميّزات لهذا التعبّد، وكل منها له دلالته على حياتنا اليومية. من هذه العلامات، ما يلي:
1- تعبّد روحيّ وداخليّ، ينطلق من الرّوح والقلب، ويوجِّه الرّغبات نحو الخير الرّوحيّ، دون أن يعني ذلك استثناءً للخير الجسديّ.
2- نعبّد مُثابر ومستمرّ وفي الاغلب يوميّ، على مثال الكنيسة التي تخُصُّ الصَّلاة المريميَّة بحصَّةٍ كبيرةٍ في اللّيتورجيّا. فالمثابرة تجعلنا نتعلّق بالممارسات التقويّة، وتمنحنا الشجاعة في مكافحة الشرّ الذي فينا، على الرَّغم من سقطاتنا المتكرّرة.
3- يحرّك الثقة والبساطة، في لجوئنا إلى الأُمِّ الحنون: في الحيرة، والتجارب، والضعف، والوساوس، والعذاب، والمسؤوليّات، والمشاريع...
4- مقدِّس، إذ يحمل على الإقتداء بما كان في العذراء من تواضع، وطاعة، وتفرُّغ للخدمة، وتقشُّف، وصلاة، وطهارة، ومحبّة، وتحمّل، ووداعة، وحكمة... هذا وإنّ الكنيسة لا تُثبِّط عزيمة المتعبِّد الخاطئ الذي لا يتصلّب في خطيئته بل يرغب، ولو بمقدار، في أن يتحسّن...
5- غيرُ مُغرِض، إذ يحمل على محبّة الأُمّ السَّماويَّة كما يحبُّ المرء أمَّه على الأرض، دون خلفيّات نَفْعيّة، لا من حيث الجسد ولا حتّى من حيث الرّوح، بل من حيث إنّها تُحَبّ...
6- فاعل، لا يكتفي بالممارسات المُطَمئِنة دون العبور إلى الإلتزام اليوميّ، على مثال مريم التي إلتزمت سرّ الفداء. فالتعبُّد الصّحيح يجعل المتعبِّد ينفتح على التدبير الإلهيّ الرّامي إلى إنهاض الإنسان، كما انفتحت عليه مريم العذراء. والتعبُّد الصَّحيح يضع المتعبِّد على الطريق التي سلكتْها العذراء لخدمة المسيح بين البشر، وإلاّ كان التعبُّد مَسْخًا وتشويهًا: مريم لم تتهرَّب يومًا من نتائج الـ"نَعَم" التي قالتها. فالتعبُّد الصّحيح يعني أن نقول، بكلّ صدق وشجاعة، الـ"نَعَم" التي قيلتْ عنّا يومَ العماد، أو قلناها يومَ الزّواج أو النّذور الرُّهبانيّة أو السّيامة الكهنوتيّة أو الإلتزام الرّسوليّ...
"مهما يقل لكم فافعلوه". يشرح يوحنّا بولس الثاني ويقول: "هذه الكلمة، تُردِّدها مريم باستمرار... فإنّ في سماع الكلمة والعمل بموجبها سرّ التعبُّد المريميّ تعبُّدًا يجعلنا نشترك في حبّها الوالديّ، إلى أن تكوّن فينا صورَة المسيح... ولذا، فعلينا أن نرفض كلّ ما يناهض الإنجيل: الحقد، العنف، الظلم، العُطل عن العمل، فَرْض الإيديولوجيّات المحقِّرة لكرامة الإنسان ذكرًا وأُنثى. كما وعلينا، بالمقابل، أن نشجِّع كلَّ ما هو بحسب مشيئة الآب السّماويّ: المحبّة، التعاون، التربية في الإيمان، الثقافة، ترَقّي الأشدّ فقرًا، احترام الجميع لا سيّما المحرومين والمعذّبين والهامشيِّين. ذلك أنّه لا يجوز أن تعتبر مريم أُمًّا فيما نسمح بتحقير أبنائها وسوءِ معاملتهم".
كنّا، ربّما، نحلم يا مريم بحياةٍ هادئة. وإذا بنا مَدعوّون إلى كفاحٍ لم تُستَثْنَي أنتِ منه. فأنت لست هنا لتُهَدْهدينا بالأوهام، بل لتمنحينا شجاعة العمل من أجل الإنسان. فمنك نلتمس المعونة لكي يجعلنا التعبُّد لك في خدمة ابنك الإله الإنسان المعذَّب في الإنسان، ويجعلنا، مثل القدِّيس منصور دي بول، نعتبر الفقراء "أسيادًا" لهم علينا حقُّ الخدمة الفاعلة والخلاّقة...
7- يؤدّي إلى المسيح ويكوّنه فينا. يقول بيوس الثاني عشر: "إلى يسوع، بمريم. فهي، إذًا الطريق المؤدّي إلى المسيح الذي هو الطريق والحقّ والحياة" والبابا بولس السّادس: "ليس التعبُّد المريميّ غايةً بحدِّ ذاته، بل هو وسيلةٌ لتوجيه الأنفُس نحو المسيح، فتتّحد بالآب، في حبّ الرّوح القدس". كما ويقول للجمعيّات المريميّة: "إنّ التعبُّد لمريم هو الطريق الرئيسيّة المؤدّيّة إلى المسيح، وفيه إلى مجد الله ومحبّة الكنيسة". وفي رسالته "التعبُّد المريميّ": "كلُّ ما في العذراء يعود إلى المسيح، وهو به متعلِّق"... هذا وكان المجمع قد قال إنّ "مهمّة مريم الوالديّة نحو البشر لا تَحجُب وساطة المسيح الوحيدة، ولا تُنقِص منها البتّة، بل تُظهِر قوّتها... وهي لا تَحُول دون اتّحاد المؤمنين المباشر بالمسيح، بل تساعده".
8- يُبرِز المعنى الكامل للمناولة الإفخارستيّا. فالمناولة تعني للمسيحيّ المتعبِّد أنّه يعيش سرّيًّا في مريم ما قد عاشه فيها جسديًّا ابنُ الله، فتكون له مريم الأُمُّ ما كانت لابنها الإلهيّ: هيكلاً ومِحرابًا ومَذبحًا. فإنّ حشاها، كما يقول القدّيس أمبروسيوس، هو "قاعة الأسرار" حيث تكوَّنَ يسوع المسيح، ويتكوَّن جميع المختارين.
والمناولة تعني أنّنا نحيا بمريم، بروحها الذي هو روح الله، روحُ الوداعة والقوّة، التواضع والشجاعة، البُتولة والخصب. أن نحيا بمريم يعني أيضًا أن ندعها تحوِّلنا إلى صورة ابنها، كما هي نفسها دَعَتْه يحوّلها من أجل الرِّسالة.
والمناولة تعني أنّنا نستمدّ الحياة من مريم، كما استمدّ ابنها منها الحياة في حشاها. فمَن يتناول، إن صحَّ قول أفرام وأغسطينوس، يأكل نوعًا ما جسد مريم، لأنّ "جسد المسيح جسدُ مريم".
والمناولة تعني أخيرًا أنّنا نحيا مثل مريم، على صورة المسيح الذي كُوِّنَ جسديًّا ونفسيًّا على صورة أُمِّه. أن نحيا مثل مريم يعني أن نعيش بروح الخدمة.
9- يحمل على اختيار خدمة الفقراء، كما خدمتْ مريم أثناء الزيارة، وفي عرس قانا، وعند الصَّليب، وفي العلّيّة، فأعطت كما الرَّبّ قد أعطاها.
لقد يعني العمل الرّسوليّ، في بعض الحالات، الترقّي الإنساني الإجتماعيّ من خلال مستوصف، أو مركز لتعليم القراءة والكتابة، أو مهنة، أو عناية صحيّة، أو استقبال، أو إنقاذ، أو بيوت للعجزة، أو مساكن جاهزة للمشرَّدين، أو الوضع تحت تصرّف المحتاجين لبعض الأبنية الكنسيّة والرّهبانيّة الغير المستعملة أو المستعملة جزئيًّا... أو من خلال تشجيع الشبيبة على تخصيص البعض من وقتها لخدمة المحتاجين (مريم كرّست ثلاثة أشهر لخدمة نسيبتها أليصابات، وحياتها كلَّها لخدمة الجنس البشريّ)، أو أخيرًا من خلال مشاريع التَوْأَمة والتبنّي... أَوليس الإيمان المسيحيّ مرتبطـًا ارتباطـًا وثيقًا بالإلتزام الواقعي وأعمال المحبّة؟
10- يحمل البصمة المزدوجة التي قد ختمت حياة مريم، أي الإنقطاع ("لماذا كنتما تطلبانني؟") - (لو 2/ 49) والتأمُّل ("وكانت تحفظ جميع هذه الأشياء وتتأمَّل فيها في قلبها" - (لو 2/ 19، 51)... فإنّ تعبُّدًا لا يقتضي أيَّ انقطاع عن بعض العادات، إنّما هو تعبُّد في خطواته الأولى. وإن هو لا يُفْضي بالمتعبِّد إلى الحياة الداخليّة التأمُّليّة والإستسلام لله، فإنّما هو تعبُّد يَنِمّ عن الخوف أو عن كُلُومٍ نفسيّة، أكثر منه عن السَّعي إلى الله.
(يتبع غدًا).
1- تعبّد روحيّ وداخليّ، ينطلق من الرّوح والقلب، ويوجِّه الرّغبات نحو الخير الرّوحيّ، دون أن يعني ذلك استثناءً للخير الجسديّ.
2- نعبّد مُثابر ومستمرّ وفي الاغلب يوميّ، على مثال الكنيسة التي تخُصُّ الصَّلاة المريميَّة بحصَّةٍ كبيرةٍ في اللّيتورجيّا. فالمثابرة تجعلنا نتعلّق بالممارسات التقويّة، وتمنحنا الشجاعة في مكافحة الشرّ الذي فينا، على الرَّغم من سقطاتنا المتكرّرة.
3- يحرّك الثقة والبساطة، في لجوئنا إلى الأُمِّ الحنون: في الحيرة، والتجارب، والضعف، والوساوس، والعذاب، والمسؤوليّات، والمشاريع...
4- مقدِّس، إذ يحمل على الإقتداء بما كان في العذراء من تواضع، وطاعة، وتفرُّغ للخدمة، وتقشُّف، وصلاة، وطهارة، ومحبّة، وتحمّل، ووداعة، وحكمة... هذا وإنّ الكنيسة لا تُثبِّط عزيمة المتعبِّد الخاطئ الذي لا يتصلّب في خطيئته بل يرغب، ولو بمقدار، في أن يتحسّن...
5- غيرُ مُغرِض، إذ يحمل على محبّة الأُمّ السَّماويَّة كما يحبُّ المرء أمَّه على الأرض، دون خلفيّات نَفْعيّة، لا من حيث الجسد ولا حتّى من حيث الرّوح، بل من حيث إنّها تُحَبّ...
6- فاعل، لا يكتفي بالممارسات المُطَمئِنة دون العبور إلى الإلتزام اليوميّ، على مثال مريم التي إلتزمت سرّ الفداء. فالتعبُّد الصّحيح يجعل المتعبِّد ينفتح على التدبير الإلهيّ الرّامي إلى إنهاض الإنسان، كما انفتحت عليه مريم العذراء. والتعبُّد الصَّحيح يضع المتعبِّد على الطريق التي سلكتْها العذراء لخدمة المسيح بين البشر، وإلاّ كان التعبُّد مَسْخًا وتشويهًا: مريم لم تتهرَّب يومًا من نتائج الـ"نَعَم" التي قالتها. فالتعبُّد الصّحيح يعني أن نقول، بكلّ صدق وشجاعة، الـ"نَعَم" التي قيلتْ عنّا يومَ العماد، أو قلناها يومَ الزّواج أو النّذور الرُّهبانيّة أو السّيامة الكهنوتيّة أو الإلتزام الرّسوليّ...
"مهما يقل لكم فافعلوه". يشرح يوحنّا بولس الثاني ويقول: "هذه الكلمة، تُردِّدها مريم باستمرار... فإنّ في سماع الكلمة والعمل بموجبها سرّ التعبُّد المريميّ تعبُّدًا يجعلنا نشترك في حبّها الوالديّ، إلى أن تكوّن فينا صورَة المسيح... ولذا، فعلينا أن نرفض كلّ ما يناهض الإنجيل: الحقد، العنف، الظلم، العُطل عن العمل، فَرْض الإيديولوجيّات المحقِّرة لكرامة الإنسان ذكرًا وأُنثى. كما وعلينا، بالمقابل، أن نشجِّع كلَّ ما هو بحسب مشيئة الآب السّماويّ: المحبّة، التعاون، التربية في الإيمان، الثقافة، ترَقّي الأشدّ فقرًا، احترام الجميع لا سيّما المحرومين والمعذّبين والهامشيِّين. ذلك أنّه لا يجوز أن تعتبر مريم أُمًّا فيما نسمح بتحقير أبنائها وسوءِ معاملتهم".
كنّا، ربّما، نحلم يا مريم بحياةٍ هادئة. وإذا بنا مَدعوّون إلى كفاحٍ لم تُستَثْنَي أنتِ منه. فأنت لست هنا لتُهَدْهدينا بالأوهام، بل لتمنحينا شجاعة العمل من أجل الإنسان. فمنك نلتمس المعونة لكي يجعلنا التعبُّد لك في خدمة ابنك الإله الإنسان المعذَّب في الإنسان، ويجعلنا، مثل القدِّيس منصور دي بول، نعتبر الفقراء "أسيادًا" لهم علينا حقُّ الخدمة الفاعلة والخلاّقة...
7- يؤدّي إلى المسيح ويكوّنه فينا. يقول بيوس الثاني عشر: "إلى يسوع، بمريم. فهي، إذًا الطريق المؤدّي إلى المسيح الذي هو الطريق والحقّ والحياة" والبابا بولس السّادس: "ليس التعبُّد المريميّ غايةً بحدِّ ذاته، بل هو وسيلةٌ لتوجيه الأنفُس نحو المسيح، فتتّحد بالآب، في حبّ الرّوح القدس". كما ويقول للجمعيّات المريميّة: "إنّ التعبُّد لمريم هو الطريق الرئيسيّة المؤدّيّة إلى المسيح، وفيه إلى مجد الله ومحبّة الكنيسة". وفي رسالته "التعبُّد المريميّ": "كلُّ ما في العذراء يعود إلى المسيح، وهو به متعلِّق"... هذا وكان المجمع قد قال إنّ "مهمّة مريم الوالديّة نحو البشر لا تَحجُب وساطة المسيح الوحيدة، ولا تُنقِص منها البتّة، بل تُظهِر قوّتها... وهي لا تَحُول دون اتّحاد المؤمنين المباشر بالمسيح، بل تساعده".
8- يُبرِز المعنى الكامل للمناولة الإفخارستيّا. فالمناولة تعني للمسيحيّ المتعبِّد أنّه يعيش سرّيًّا في مريم ما قد عاشه فيها جسديًّا ابنُ الله، فتكون له مريم الأُمُّ ما كانت لابنها الإلهيّ: هيكلاً ومِحرابًا ومَذبحًا. فإنّ حشاها، كما يقول القدّيس أمبروسيوس، هو "قاعة الأسرار" حيث تكوَّنَ يسوع المسيح، ويتكوَّن جميع المختارين.
والمناولة تعني أنّنا نحيا بمريم، بروحها الذي هو روح الله، روحُ الوداعة والقوّة، التواضع والشجاعة، البُتولة والخصب. أن نحيا بمريم يعني أيضًا أن ندعها تحوِّلنا إلى صورة ابنها، كما هي نفسها دَعَتْه يحوّلها من أجل الرِّسالة.
والمناولة تعني أنّنا نستمدّ الحياة من مريم، كما استمدّ ابنها منها الحياة في حشاها. فمَن يتناول، إن صحَّ قول أفرام وأغسطينوس، يأكل نوعًا ما جسد مريم، لأنّ "جسد المسيح جسدُ مريم".
والمناولة تعني أخيرًا أنّنا نحيا مثل مريم، على صورة المسيح الذي كُوِّنَ جسديًّا ونفسيًّا على صورة أُمِّه. أن نحيا مثل مريم يعني أن نعيش بروح الخدمة.
9- يحمل على اختيار خدمة الفقراء، كما خدمتْ مريم أثناء الزيارة، وفي عرس قانا، وعند الصَّليب، وفي العلّيّة، فأعطت كما الرَّبّ قد أعطاها.
لقد يعني العمل الرّسوليّ، في بعض الحالات، الترقّي الإنساني الإجتماعيّ من خلال مستوصف، أو مركز لتعليم القراءة والكتابة، أو مهنة، أو عناية صحيّة، أو استقبال، أو إنقاذ، أو بيوت للعجزة، أو مساكن جاهزة للمشرَّدين، أو الوضع تحت تصرّف المحتاجين لبعض الأبنية الكنسيّة والرّهبانيّة الغير المستعملة أو المستعملة جزئيًّا... أو من خلال تشجيع الشبيبة على تخصيص البعض من وقتها لخدمة المحتاجين (مريم كرّست ثلاثة أشهر لخدمة نسيبتها أليصابات، وحياتها كلَّها لخدمة الجنس البشريّ)، أو أخيرًا من خلال مشاريع التَوْأَمة والتبنّي... أَوليس الإيمان المسيحيّ مرتبطـًا ارتباطـًا وثيقًا بالإلتزام الواقعي وأعمال المحبّة؟
10- يحمل البصمة المزدوجة التي قد ختمت حياة مريم، أي الإنقطاع ("لماذا كنتما تطلبانني؟") - (لو 2/ 49) والتأمُّل ("وكانت تحفظ جميع هذه الأشياء وتتأمَّل فيها في قلبها" - (لو 2/ 19، 51)... فإنّ تعبُّدًا لا يقتضي أيَّ انقطاع عن بعض العادات، إنّما هو تعبُّد في خطواته الأولى. وإن هو لا يُفْضي بالمتعبِّد إلى الحياة الداخليّة التأمُّليّة والإستسلام لله، فإنّما هو تعبُّد يَنِمّ عن الخوف أو عن كُلُومٍ نفسيّة، أكثر منه عن السَّعي إلى الله.
(يتبع غدًا).
المطران د. يوسف متى