أنت هنا

تاريخ النشر: 
الثلاثاء, مايو 26, 2020 - 08:13

القائمة:

بطريركية بابل للكلدان  

“العَنصرة ” معرَّبة عن اللغة العبرية “atzeret” وتعني اجتماعاً واحتفالاً، اما لفظة Pentecost فهي يونانية، وتعني خمسين يوماً. انها إشارة الى الفترة بين أحد قيامة المسيح وأحد حلول الروح القدس على التلاميذ.

ثمة نوع من التشابه بين وضع التلاميذ بعد موت يسوع من حيث ملازمة المنزل، وحالتنا اليوم في الحجر البيتي لمواجهة أزمة كورونا. 

يقول الانجيل عن التلاميذ: “في مَساءِ ذلك اليَومِ، يومِ الأحد، كانَ التَّلاميذُ في دارٍ أُغْلِقَتْ أَبوابُها خَوفاً مِنَ اليَهود، فجاءَ يسوعُ ووَقَفَ بَينَهم وقالَ لَهم: السَّلامُ علَيكم”! (يوحنا 20/ 19).

 اذاً عاش التلاميذ الحجر المنزلي، خوفاً من حصول اعتداء عليهم من قبل يهود متطرفين، مثلما نعيشه نحن منذ قرابة الشهرين، خشية الإصابة بهذا الفيروس اللعين الذي نغَّص حياتنا، وألزمنا بالحجر المنزلي حفاظاً على سلامتنا وسلامة عائلتنا.

عموماً أستمر التلاميذ بعد صعود المسيح الى السماء ملازمين البيت لنفس السبب، الى ان حلّ عليهم الروح القدس: “فرَجَعوا إِلى أُورَشَليمَ مِنَ الجَبَل الَّذي يُقالُ له جَبَلُ الزَّيتون، وهُو قَريبٌ مِن أُورَشَليم على مَسيرةِ سبْتٍ مِنها. ولَمَّا وَصَلوا إِلَيها صَعِدوا إِلى العُلِّيَّةِ الَّتي كانوا يُقيمونَ فيها” (أعمال 1/ 12-13).

في اليوم الخمسين تغير كل شيء بالنسبة لهم: “ولَمَّا أَتى اليَومُ الخَمْسون، كانوا مُجتَمِعينَ كُلُّهم في مَكانٍ واحِد، فانْطَلَقَ مِنَ السَّماءِ بَغتَةً دَوِيٌّ كَريحٍ عاصِفَة، فمَلأَ جَوانِبَ البَيتِ الَّذي كانوا فيه، وظَهَرَت لَهم أَلسِنَةٌ كأَنَّها مِن نارٍ قدِ انقَسَمت فوقَفَ على كُلٍّ مِنهُم لِسان، فامتَلأُوا جَميعاً مِنَ الرُّوحِ القُدس” (أعمال 2/ 1-4).

فترة الخمسين يوما (الحجر)، كانت فترة تأمل ومراجعة لما سمعوه من يسوع، وما شاهدوه من أعماله، ليُهضَم ويُستَوعبْ، وينضج لبلورة إيمانهم ودعوتهم. كانوا يعيشون كعائلة واحدة كما ينقل سفر اعمال الرسل: “وكانَ جَميعُ الَّذينَ آمنوا جماعةً واحِدة، يَجعَلونَ كُلَّ شَيءٍ مُشتَرَكًا بَينَهم” (أعمال 2/ 44). ونقلهم الروح القدس بحلوله من حالة القلق والخوف إلى حالة المواهب والتأهب للرسالة. 

 نحن أيضا نختبر الحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي، قلقين وخائفين،  بسبب غياب فضاءات آمنة، وبوادر سريعة للقضاء على هذا الفيروس الخبيث. لكن ثمة شيء ينبغي أن ندركه، هو أن ازمة كورونا مهما كانت عاتية فهي مؤقتة وعابرة.  وأن البشرية التي عاشت خلال تاريخها ازمات اخرى شديدة، وخرجت منها أصح وأقوى، فلا بد لها أن تنتصر على كورونا.

ايمانيا: نلاحظ عودة العديد من الناس إلى الإيمان والتمسك بالروحانية المسيحية، والصلاة والصيام، وخدمة المحبة. نلمس ذلك من مئات التعليقات على الفيس البوك البطريركي الذي منه نبث القداس، كل هذه الفترة العصيبة. نشعر ان هناك كنيسة “بيتية” تنضج، وتترسخ في إيمانها والتزامها، وتعبر عن اشتياقها الى تناول القربان، واستعادة فتح الكنائس كما كانت في السابق. ونحن ككنيسة محليّة نستعد لذلك بكل جدية.

 للروح القدس دور في حياتنا مثلما كان له دور في حياة التلاميذ الأولين. انه بمواهبه وانواره يواصل تجليات الله في عالمنا ويشهد له (يوحنا 15/ 26). الروح القدس يساعدنا على الصبر والثبات والصمود، ويعزينا ويرفع معنوياتنا ويطمئننا (يوحنا 14/ 16). الروح القدس يدخلنا إلى عالم الله، ان تعاونا معه، حتى نُدخِل شيئاً من عالم الله الى عالمنا. هذا هو الكاريزما والرسالة.

عالمنا لن يكون  مثلما كان قبل كورونا 

عالمنا ونظامه لن يكونا مثلما كانا قبل وباء كورونا، كما لم يكن الرسل بعد حلول الروح القدس عليهم، مثلما كانوا بعد موت المسيح. ينبغي التعلم من سلبيات الماضي.

كمسيحيين مؤمنين

علينا العودة بقوة الى ايماننا واخلاقنا وعلاقاتنا الأسرية السليمة، والتزاماتنا الاجتماعية. الروح القدس ان أفسحنا له المجال، سيساعدنا بمواهبه على رؤية الأمور بعين مستنيرة، بشكل أشمل وأعمق، ويعيننا للانتصار على الأزمات بإيماننا واخلاقنا ومحبتنا وتضامننا الأخوي. 

كمجتمع دولي

يجب  البحث عن توفير الطعام والدواء والخدمات  للشعوب، وليس البحث عن صنع اشكال الاسلحة والتسلح  للسيطرة على اقتصاد العالم. ان كورونا والحجر المنزلي فرصة سانحة أمام قادة العالم  لتعزيز التضامن الإنساني، وابتكار نظام عالمي جديد فيه أكثر رحمة، ومحبة وتسامح وسلام واحترام وتطبيق العدالة، دون النظر الى الجندر ولون البشرة والبلد واللغة  والدين والمذهب، والغالبية والاقلية. البشر كلهم إخوة في الخلق، ومتساوون في الحقوق والواجبات. نحتاج  إلى مناهج تعليمية جديدة لترسيخ الأخوة البشرية كما دعا البابا فرنسيس وشيخ الازهر احمد الطيب في “وثيقة الاخوة البشرية”. ان  الخير حالة وموقف، “نكون بخير لما نفعل الخير لكل انسان كما يستحق”.

 كمراجع دينية

كذلك على المرجعيات الدينية المسيحية والاسلامية واليهودية والديانات الاُخرى أن تأخذ بعين الاعتبار تداعيات كورونا والتحول الثقافي والاقتصادي والاجتماعي لتقوم بمراجعة نقدية دقيقة، لتوضيح الرؤى ومعالجة التطرف، ونبذ كل فكر يحث على الكراهية والعنف. لديها ما يوحدها ويدفعها على المضي معًا قدمًا في حمل رسالتها في اشاعة  المحبة والتسامح والاخلاق الحميدة، والعيش المشترك، والدفاع عن حقوق الإنسان.