أنت هنا

 
مريميات الشهر المريمي - العذراء في شهر آب
 
 
الموضوع  السادس:مريم نموذج للكنيسة

 

٢) مريم نموذج للكنيسة.
يقول أمبروسيوس:"إنّ مريم نموذج الكنيسة"

وبتعبير التقليد الشرقيّ، إنّها "أيقونة الكنيسة"، كما أنَّ يسوع المسيح "أيقونة الله الذي لا يُرى" (قول 1/ 15)، وكما أنّ الإنسان "أيقونة الله" (تك 1/ 27). فصفات الكنيسة تظهر في مريم بشكل خاصّ، والكنيسة تتحلّى بصفات مريم. فيقول أوغسطينس مثلاً: كما أنّ مريم أمّ وعذراء وشريكة في الخلاص، هكذا الأمر بالنسبة إلى الكنيسة. فثمّة دائرة بين مريم والكنيسة. ورد في سفر الرؤيا:
- "امرأة ملتحفة بالشمس والقمر تحت قدميها، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبًا، حامل تصرخ من ألم المخاض..." (رؤ 12/ 1ت).
إنّ مثل هذا المشهد ينطبق على الكنيسة أساسًا وعلى مريم العذراء أيضًا. ويدخل المؤمنون في هذه الدائرة في سفر نشيد الأناشيد حيث ترمز "الحبيبة" إلى الكنيسة والعذراء مريم والمؤمنين أيضًا. من هنانودّ أن نقارن بين الصفات الأربع للكنيسة ومريم على حدٍّ سواء: عروس – عذراء – أمّ – مقدَّسة.

* العروس
إنّ الكنيسة عروس يسوع المسيح العريس. وإنّ مريم عروس الرّوح القدس فكلتاهما عروس.

* العذراء
إنّ الكنيسة عذراء كما يصوِّرها بولس:"خطبتكم لعريس واحد خطبة عذراء طاهرة تُزفُّ إلى المسيح" ويُردِّد إقليمنضس الإسكندريّ الكلام نفسه في قوله:
"لا توجد سوى عذراء أمّ واحدة، يطيب لي أن أسمِّيها الكنيسة".
وأمّا عن بتوليَّة مريم التي يؤكِّدها متّى (1/ 23) ولوقا (1/ 26)، فتستدعي شرحًا من منطلق ما يعتمد عليه متّى في تفسيره لأشعيا 7/ 14:
"ها إنَّ الصبيَّة تحمل ابنًا وتدعو اسمه عمّانوئيل".وأمّا نصّ متّى فيعتمد على الترجمة السبعينيَّة وقد استبدلت لفظة "الصبيَّة" (بالعبريّة "علمه"، وباليونانيّة: "Neanis") بلفظة "عذراء" (بالعبريّة: "بقوله"، وباليونانيَّة: "Parthenos"). فلفظة "علمه" تعني إمّا "صبيَّة"، وإمّا "امرأة حديثة الزواج لم تنجب بعد"، ولكنّها لا تعني "عذراء"، فلقد فسّرت الترجمة السبعينيَّة النصّ العبريّ الأصليّ، عندما استخدمت لفظة "عذراء"، وقد اعتمد متّى على هذا التفسير. ولكن، مهما كان الأمر فكان متّى من جهَّته ولوقا من جهَّته يقصدان أنَّ مريم كانت "عذراء". وإن استخدم متّى الترجمة السبعينيَّة، لا النصّ الأصليّ العبريّ، فلأنَّ هذه الترجمة كانت تفيد ما كان يقصده أنّ مريم عذراء.
وبناء على ذلك، تحدَّث بطرس الإسكندريّ (المتوفّى سنة 311) عن مريم "الدائمة البتوليَّة"، ومن بعده كلّ الآباء الشرقيّين والغربيِّين. وأمّا شكّ أوريجانس وترتليانس في دوام بتوليَّة مريم (اعتمادًا على متّى 1/ 25: "على أنَّ (يوسف) لم يعرف (مريم) حتّى ولدت ابنًا"، فلم يحظَ من مؤيِّدين سوى المصلحين. ولقد قال أوغسطينس في هذا الصدّد:
"عذراء وهي تحبل،عذراء وهي تلد،عذراء وهي تموت.

* الأمّ
إنَّ الكنيسة أمّ المؤمنين، لأنّها تعمِّدهم فتلدهم حياة جديدة لعريسها يسوع المسيح. وإنّ مريم أيضًا أمّ المؤمنين. ويقول أحد اللاهوتيِّين الألمان في العلاقة بين أمومة مريم وأمومة الكنيسة:
"نرى السِّمة الفائقة والأكثر تأصُّلا ً لأمومة مريم بالنسبة إلى أمومة الكنيسة، وفي الوقت نفسه الوحدة العضويَّة بين الواحدة والأخرى. إنّ أمومة الكنيسة تعمل على أساس أمومة مريم وبقوَّتها. وأمومة مريم تستمرّ في العمل في أمومة الكنيسة وبها".

* المقدّسة. لقد سبق أن أظهرنا الكنيسة "مقدّسة"، وكذلك مريم. غير أنَّ قداسة الكنيسة تشوبها الخطيئة على مُستوى وجوديّ، لا أنطولوجي - كما رأينا - على نقيض مريم التي ظلّت مقدَّسة وبلا خطيئة ومنزّهة عن كلِّ عيب أنطولوجيًّا ووجوديًّا. ورغم ذلك، يقول أوغسطينس إنّ قداسة الكنيسة لأعظم من قداسة مريم، لأنّ مريم عضو من أعضاء الكنيسة، وإن فاقت سائر الأعضاء في القداسة.

المطران د. يوسف متى