أنت هنا

تاريخ النشر: 
الخميس, فبراير 22, 2024 - 13:00

:في وداع قدس الأرشمندريت إميل شوفاني

شيعت أبرشية الروم الملكيين الكاثوليك جثمان قدس الأرشمندريت إميل شوفاني، الذي انتقل إلى الأخدار السماوية..

وترأس سيادة المتربوليت يوسف متى، رئيس أساقفة عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل الصلوات الجنائزية في كنيسة مار يوسف في المدرسة الإكليريكية (المطران) التي خدمها الأرشمندريت شوفاني لعقود ماضية.

وحضر مراسم الجنازة جمهور غفير من الأساقفة والكهنة من كافة الكنائس في الجليل والقدس.

وألقى سيادة راعي الأبرشية المطران متى عظة في رثاء الأرشمندريت الراحل، وكانت كلمته تأبينية روحية، نوردها فيما يلي:

باسم الآب والأبن والروح القدس

 

وسمعت صوتاً من السماء يقول: " اكتب، طوبى للأموات الذين يموتون في الرب منذ الآن. لكي يستريحوا من أتعابهم وأعمالهم تتبعهم" (رؤيا 14/13) هذه هي الدنيا كل من ورد إليها في يوم ما سيرحل عنها في ساعة لا يعلمها أحد إلا الله..

 

يعزّ علي في هذا الموقف الجلل أن أذكر هذه القامة الشامخة، الأب الأرشمندريت إميل شوفاني بلسان الغائب، وهو الحاضر فينا وجهاً وأثراً وبصمة لا تُنسى، وعائلة كريمة تفرّع منها أولاً أسرة الكهنوت التي عاش فيها الأب إميل وخدمها وخدم فيها الرب يسوع الذي دعاه اليوم إلى فرح القديسين ليلتقي والديه في ملكوت السماوات.هذا الجمع المبارك المشارك معنا في وداعه، دليل واضح يُؤرخ في تاريخ مجتمعنا والناصرة خصوصاً..

 

ثانياً أسرة الإكليريكية التي غذاها بجهده وعمله المخلص ورؤياه الخاصة للعمل والفضيلة، ونظرته الثاقبة للمُستقبل. الأب إميل، إنه حكاية الأجيال.

 

بألم وحزن عميق، تودع كنيستنا اليوم القامة الشامخة الأب إميل. من هذا الصرح وهذه الكنيسة التي عاش فيها وخدمها، هذا الصرح الذي انتمى إليه لعشرات السنين، فكان الأخ للزملاء في الكهنوت، وفي مدرسة المطران كان المثل الأعلى للطلاب والخريجين الذين نراهم اليوم حوله يودعونه بدموع وشاكرين له ما قدّم لهم وللكنيسة والمجتمع في الناصرة، وبلدات المرج، والمثلث والجليل...

 

من هو الأب إميل شوفاني وماذا كان الأب إميل؟

 

ولد الأب إميل يوم 24 أيار1947 في عيلبون ، درس في هذا الصرح وانتقل إلى الخارج، فرنسا، ليرجع إلينا في قمة نشاطه، سيّم كاهناً عام 1971 على يد المثلث الرحمات المطران مكسيموس سلوم.

أسندت إليه تنشئة الطلاب الإكليريكيين وإدارة المدرسة تحت نظر الأب لحام، وعُيّن بعدها رئيساً ومديراً لهذه المدرسة، ورفعها إلى أعلى المراتب داخلياً وعالمياً.

خرج الأب إميل من نطاق المدرسة ، بعد أن استقرت إلى رحاب المجتمع ليقوم بدور القيادة في الكنسية والرعية والمجتمع، خصوصاً الناصرة الحبيبة.

فخدم رعايا الأبرشية ككاهن غيور، مُحب، معطاء، ثم الناصرة التي أحبها وخدم فيها، وقام بعدة مشاريع ترميمية، وأبنية جديدة بمؤازرة الكهنة والمجلس الرعوي. فوضع الناصرة على خارطة الطريق من حيث الخدمة الكنسية والاجتماعية.

دخل الأب إميل من باب الإخوة الإنسانية مع الجميع. فكانت له علاقات وصداقات كثيرة مع كافة أطياف المجتمع، من مسلمين ودروز ويهود. وأقام نشاطات وفعاليات كثيرة في عدة بلدات وشارك في مؤتمرات للحوار الديني. في فرنسا/ أسيزي في أيطاليا/ في المعاهد العليا هنا في اسرائيل وغيرها من المعاهد الأجنبية، حتى عرّف عن ذاته بأنه (ابن الأرض المقدسة أرض الرسالة وأرض السلام).

 

تميّزت حياة الأب إميل على الانفتاح نحو الآخر وتمثل هذا الانفتاح بعمل دؤوب لأجل المجتمع بكل أطيافه، خصوصا في الناصرة التي قادت المجتمع ضمن كوكبة من الرجال: رجال تربية، سياسة، أدب ومجتمع، الذي وظفوا اختصاصهم مع الأب إميل لأجل النمو الحقيقي لكافة أبنائنا، من خلال المطالبة بالحق والعدالة وكرامة العيش لهذا الشعب العربي.

اعتمد الأب إميل الكلمة الطيبة وشعار العلم والفضيلة، والتآخي وغرس المحبة والسلام في كل من التقاه. نعم السلام والتأخي، جعلاك تخرج عن المألوف لتذهب إلى أبعد حدود الإيمان المسيحي، لتفهم ألم الآخر وتعرف معنى المسامحة تماماً كالذي دعاك، الذي قال::

"طوبى للرحماء فإنهم يُرحمون" 

"طوبى للساعين إلى السلام فإنهم أبناء الله يُدعون...

وقال أيضاً: "أحبوا أعدائكم ، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى الذين يُسيئون إليكم... لتكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات" (متى)

 

في عام 2003 ذهب الأب إميل، عنوان  التآخي والسلام إلى مراكز  الإبادة، مع مجموعة من الأشخاص ليفهم ألم الآخر، ويشهد بشكل متواز عن ألم شعبه هنا، وعن قُدسية الحياة التي هي هبة الله للإنسان، وقال:" معاً نستطيع أن نبني مستقبلاً أفضل لنا جميعاً ". علينا أن نعرف بعضنا البعض لكي نستطيع أن نفهم تاريخنا لنبني مسقبلنا".

 

الأب إميل،أنت العنوان للإدارة والريادة، راعياً خادماً أميناً. ورعم نظرتك الثاقبة وابتسامتك البسيطة، فأنت الأب، والأخ، والصديق، والمُربي، والقائد والمُناضل.

على رسلك وهديك سنواصل السيرة والمسيرة ومواكب الطلاب والخريجين والإخوة الزملاء في الكهنوت، في رسالة التربية والتعليم، وفي رسالة المجتمع الوطني، كلهم يقتدون برؤياك المتفردة للثقافة وللعلم والحضارة والتآخي والسلام والعدالة. أن تقول الأب إميل،  معناه أن تقول المجتمع بأكمله

 

أخيراً

ماذا نقول بعد، طوبى لمن عَارَكَ الدهر ووقف وثبت، وترك لنا مسيرة مضيئة يُحتذى بها، كنزٌ يقدمه للرب الإله، الوديعة التي تاجر بها حتى آخر لحظة، ليقدمها لذاك الذي دعاه، فيدخل معه فرح السماء. لأبينا الجليل إميل الرحمة، فقد رحل عنا ولن يرحل منا، فالدهر يصطفي من كان له نداً في حياته ومماته.لكم إخوتي جميعاً طوال البقاء وحُسن العزاء ، ألف رحمة وسلام لروحه الطاهرة ، والنور الأبدي فليضئ له.                             أميــــــــــــــن