أنت هنا

 Pixabay License Free for commercial use

Pixabay License
Free for commercial use

تاريخ النشر: 
الاثنين, نوفمبر 15, 2021 - 18:12
 
بقلم رئيس الموقع الإعلامي الاب ميشيل طعمه
 
في تعامل الانسان مع الآخر كثيرًا ما يستعمل تعابير مختلفة ويخلط فيما بينها: المغفرة، المصالحة التسامح وغيرها. والمسامحة أو المصالحة قد تتحقق مع شخص او مجموعة حصل تجاهها إساءة. والمغفرة: هي لمن له سلطان الحل والربط أي لله. فالله فقط هو من يغفر. أما انا كعبد لله، فقط أطلب من الله أن يغفر لمن أساء إليّ. وهذا ما أعلنه ربنا يسوع المسيح وهو على الصليب: "يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ" (لوقا 23: 34).  وبالتالي فطلب الغفران للآخر تصرف شخصيّ بيني وبين الله. وعند طلبي المغفرة لشخص ما، فإنني أنزل همّه عن ظهري، أي أقرر أن اتحرر من الضغينة او الحقد او التفكير الدائم بما صنعه الآخر لي وبعد ذلك يمكن ان أستريح وأكمل حياتي.
ثم تأتي المرحلة التالية هي مرحلة المصالحة أي تجديد العلاقة مع مَنْ طلبتُ من الله أن يغفر له. فعندما أصالحه فإنّني أجدد علاقتي به. وقد لا أجدد علاقتي به وعندها أكون قد عبرت مرحلة الغفران فقط دون الدخول إلى مرحلة المصالحة.
أمّا التسامح فيكون تجاه اشخاص أعرفهم أو لا عرفهم بتاتًا، وهذا ما يجري في كثير من الأحيان تجاه أديان أو طوائف مختلفة أيضا. وهناك رأي سائد يقول: "المؤمن هو الذي لديه ايمان وهوية قويتان، ويكون متسامحًا وغير عدائيّ تجاه الأديان الأخرى". 
والتسامح المسيحي سلوك حياتي يتطلب هوية وايمان قويين لكي يكون خيِّرا تجاه ذوي المعتقدات أو الايمان المختلف. والرؤية المسيحية للتسامح تنبع من رؤيتنا للخلق، وهي رؤية تعمل على تعزيز إنسانيتنا تجاه كل إنسان خلقه الله. ووضع المسيح في رؤيتنا عند اقبالنا على الاختيار فتساعدنا على اختيار الخير. والعقيدة المسيحية للثالوث الاقدس، تقودنا نحو الانسجام والوحدة في الإنسانية، والايمان المسيحي بالروح القدس يقوينا في المشاركة مع الآخر، لنكون أكثر مسيحيين بالمعنى الحقيقي الذي يتحقق من خلال عيشنا حياة المسيح والاقتداء به والسير حسب تعاليمه وأعماله.
ولذلك، فإن سلوك المسامحة للآخر وخاصة مسامحة الشخص الذي أساء لي، هو سلوك مركزي وأساسي في الإيمان والعقيدة المسيحية، لأننا إذا كنّا غير قادرين على مسامحة شخص ما على خطأ، وإن كان هذا الخطأ خطيرًا جدًّا، فلا يمكن أن نعتبر أنفسنا مسيحيين حقيقيين، لأنّ قبول الآخر وعدم إقصائه عنّا لمجرد وجود اختلاف معه هو تصرف ملؤه تسامح وغفران. والفرد المسيحي الحقيقي يجب أن يرى بالتسامح أسلوب حياة يعيش بحسبه أبعد ما يكون بجانب كل الذين يختلفون عنّا في العقيدة الإيمانية. 
ومن هنا ينطلق سيادة المطران يوسف متى راعي أبرشية عكا وحيفا وسائر الجليل الكلي الوقار، إلى "إمارة دبي" للقاء المسامحة والتسامح بين الأديان، حاملا في عمق ذاته إيمانه المأخوذ من الكتاب المقدس وبالتحديد من الآيات عدّة، خصوصًا ذلك السؤال الشهير الذي وجهه القديس بطرس إلى السيد يسوع المسيح وقال: "يَا رَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ". (متى 18:21-22). لذلك علينا أن نغفر كما قال السيد المسيح له المجد الذي جاء ليغفر وغفر للص على الصليب وأخذه معه إلى الفردوس إذ قال له: "الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ". (لو 23: 43). وهذا ما فعله قداسة البابا يوحنا بولس الثاني عندما التقى مهاجمه التركي محمد علي أغكا، حيث أظهر شجاعة كبيرة وقدم مثالا رائعا لجنود الإنسانية كلها في أن يسامحه على ما اقترف رغم محاولته لقتله. 
والسؤال الهام: هل إذا لم نستطع أن نغفر للآخرين هل نحن لسنا مسيحيين وبعيدين عن تعاليم المسيح وغير متمتعين بنور الربّ؟
إن المسامحة والغفران والمصالحة بالرحمة، لا شك أنها متطلبات أساسية للوجود المسيحي، في كيفية قبول الآخر، حيث يقول السيد المسيح: "وَإِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُحِبُّونَ الَّذِينَ يُحِبُّونَهُمْ. وَإِذَا أَحْسَنْتُمْ إِلَى الَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَيْكُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا. وَإِنْ أَقْرَضْتُمُ الَّذِينَ تَرْجُونَ أَنْ تَسْتَرِدُّوا مِنْهُمْ، فَأَيُّ فَضْل لَكُمْ؟ فَإِنَّ الْخُطَاةَ أَيْضًا يُقْرِضُونَ الْخُطَاةَ لِكَيْ يَسْتَرِدُّوا مِنْهُمُ الْمِثْلَ. بَلْ أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، وَأَحْسِنُوا وَأَقْرِضُوا وَأَنْتُمْ لاَ تَرْجُونَ شَيْئًا، فَيَكُونَ أَجْرُكُمْ عَظِيمًا وَتَكُونُوا بَنِي الْعَلِيِّ، فَإِنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى غَيْرِ الشَّاكِرِينَ وَالأَشْرَارِ. فَكُونُوا رُحَمَاءَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمْ أَيْضًا رَحِيمٌ." (لو 6: 32-36).
لا شكَّ أن الغفران في الديانة المسيحية هو دعم للحرية، وفي زيارة المطران لإمارة دبي من أجل الدعوة إلى الحرية من خلال الغفران والمسامحة وهي أمور تصرّ عليها الكنيسة، وفي هذا اللقاء في دبي سيدعو سيادة المطران للعيش في حرية من خلال الغفران والمسامحة والتعايش مع باقي الديانات بقبولها واحترام معتنقيها.